الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
نزيل مدينة الخليل عليه السلام ولد في حدود سنة أربعين وستمائة سمع من الفخر بن البخاري وخلق كثير وأجاز له الحافظ يوسف بن خليل وعرض التعجيز على مصنفه وكان فقيها مقرئا متفننا له التصانيف المفيدة في القراآت والمعرفة بالحديث وأسماء الرجال وأكمل شرح التعجيز لمصنفه توفي في شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة كان فقيها نحويا متفننا دينا خيرا صالحا تخرج به جماعة وتفقه على الشيخ علم الدين العراقي مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة وتوفي بالقاهرة سنة تسع وأربعين وسبعمائة كان فقيها أصوليا قرأ الفقه على الشيخ بهاء الدين القفطي والأصول على شارح المحصول الأصبهاني والنحو على الشيخ بهاء الدين بن النحاس وولي قضاء إخميم وأسيوط وقوص وقفت له على مختصر الوسيط وهو حسن وقد ضمنه تصحيح الرافعي والنووي وله شرح المنتخب في الأصول ونثر ألفية ابن مالك عزل عن قضاء قوص فورد القاهرة وأقام بها إلى أن توفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة قاضي القضاة مجد الدين أبو إبراهيم التميمي الشيرازي البالي وبال بالباء الموحدة بليدة من عمل شيراز تفقهه على والده وقرأ التفسير على قطب الدين الشقار البالي صاحب التقريب على الكشاف وولي قضاء القضاة بفارس وهو ابن خمس عشرة سنة وعزل بعد مدة بالقاضي ناصر الدين البيضاوي ثم أعيد بعد ستة أشهر وعزل القاضي ناصر الدين واستمر مجد الدين على القضاء خمسا وسبعين سنة وكان مشهورا بالدين والخير والمكارم وحفظ القرآن وكثرة التلاوة وله منزلة عند الملوك رفيعة أمر بعضهم بإظهار الرفض في أيامه فقام في نصر الدين قياما بليغا وأوذي بهذا السبب وقيل إنه ربط وألقي إلى الكلاب والأسود فشمته ولم تتعرض له فعظم قدره وعلم أنه من أولياء الله وكان ذلك سببا في خذلان الرفضة ولد له ثلاث بنين واشتغلوا بالعلم ثم مات كل منهم في عنفوان شبابه فحكي أنه صلى على كل واحد منهم وكفنه ولم يجزع ولا بكى على واحد منهم وحكي أنه وقع بين أهل شيراز وملكهم خصومة ونزل الملك بظاهر البلد وعزم على قتالهم ومحاصرتهم فخرج القاضي لإطفاء النائرة وكان في محفة فرجموه بالحجارة وهرب جميع من كان حواليه وأصيبوا بالحجارة ووقف القاضي ثابتا غير مضطرب ولم يصبه شيء فعدت كرامة له ولما مات أحد أولاده الثلاثة أفضل الدين أحمد سأله بعض الحاضرين عن سنه فقال رأيت أني أعطيت أربعة وتسعين دينارا وأعطي ولدي أحمد اثنتين وعشرين فسألت المعطي ما هذا فقال هذه سنو عمركما فاستوفى أحمد اثنتين وعشرين وأما أنا فبقي لي تسع سنين فكان الأمر كما ذكر توفي في ثاني عشر شهر رجب سنة ست وخمسين وسبعمائة عن أربع وتسعين سنة بشيراز ومن تصانيفه القرائن الركنية في الفقه وشرح مختصر ابن الحاجب في الأصول وله مختصر في الكلام وله نظم كثير أنشدنا صاحبنا المحدث مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي لنفسه ما كتبه إلى القاضي مجد الدين مستفتيا قال وكنت عزمت في سنة سبع وأربعين وسبعمائة على الحج وكنت متزوجا فمنعني أهل زوجتي عن السفر إلا أن أعلق طلاقها بمضي ستة أشهر فأجبت مكرها ثم عدت بعد سنين فكتبت إلى القاضي رحمه الله ألا من مبلغ عني كتابا ** إلى قاضي قضاة المسلمينا بحال أن قومي أكرهوني ** بأن علق طلاقك مكرهينا في أبيات ذكرها قال فأجابني القاضي بديها ألا يا قدوة الفضلاء إني ** أعدك صادقا برا أمينا سليلا للأسى الأمجاد مجدا ** غدا للدست صدرا أو يمينا سأحكم بينكم حكما مبينا ** ولكن إن حلفت لهم يمينا وذلك نص شرع الله فيهم ** وأما الشيخ حاشا أن يمينا الملك المؤيد صاحب حماة عماد الدين أبو الفداء ابن الأفضل بن الملك المظفر بن الملك المنصور بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي كان من أمراء دمشق وخدم السلطان الملك الناصر لما كان في الكرك آخر أمره فوعده بحماة ووفى له بذلك وكان المذكور رجلا فاضلا نظم الحاوي في الفقه وصنف تقويم البلدان وتاريخا حسنا وغير ذلك توفي بحماة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وكان قد ملكها في سنة عشر وسبعمائة فأقام هذه المدة له شعر حسن ومن شعره أحسن به طرفا أفوت به القضا ** إن رمته في مطلب أو مهرب مثل الغزالة ما بدت في مشرق ** إلا بدت أنوارها في المغرب وكان جوادا ممدحا امتدحه الشيخ شهاب الدين محمود بقصيدته التي مطلعها أترى محبك بالخيال يفوز ** ولنومه عن مقلتيه نشوز وبقصيدته التي مطلعها ميعاد صبري وسلوى المعاد ** فالح امرأ يسليه طول البعاد وأكثر في مدحه شاعره الشيخ جمال الدين ابن نباتة شاعر الوقت ومن غرر قصائده فيه لثمت ثغر عذولي حين سماك ** فلذ حتى كأني لاثم فاك حبا لذكراك في سمعي وفي خلدي ** هذا وإن جرحت في القلب ذكراك تيهي وصدى إذا ما شئت واحتكمي ** على النفوس فإن الحسن ولاك وطولي من عذابي في هواك عسى ** يطول في الحشر إيقافي وإياك في فيك خمر وفي عطف الصبا ميد ** فما تثنيك إلا من ثناياك وما بكيت لكوني فيك ذا شجن ** إلا لكون سعير القلب مأواك بالرغم إن لم أقل يا أصل حرقته ** ليهنك اليوم إن القلب مرعاك يا أدمعا لي قد أنفقتها سرفا ** ما كان عن ذا الوفا والبر أغناك ويا مديرة صدغيها لقبلتها ** لقد غدت أوجه العشاق ترضاك مهما سلونا فما نسلو ليالينا ** وما نسينا فلا والله ننساك نكاد نلقاك بالذكرى إذا خطرت ** كأنما اسمك يا أسما مسماك ونشتكي الطير نعابا بفرقتنا ** وما طيور النوى إلا مطاياك لقد عرفناك أياما وداومنا ** شجو فيا ليت أنا ما عرفناك نرعى عهودك في حل ومرتحل ** رعى ابن أيوب حال اللائذ الشاكي العالم الملك السيار سؤدده ** في الأرض سير الدراري بين أفلاك ذاك الذي قالت العليا لأنعمه ** لا أصغر الله في الأحوال مهناك له أحاديث تغني كل مجدبة ** عن الحياء وتجلي كل أحلاك ما بين خيط الدجى والفجر لائحة ** كأنها درر من بين أسلاك كفاك يا دولة الملك المؤيد عن ** بر البرية من للفضل أعطاك لك الفتوة والفتوى محررة ** لله ماذا على الحالين أفتاك أحييت ما مات من علم ومن كرم ** فزادك الله من فضل وحياك من ذا يجمع ما جمعت من شرف ** في الخافقين ومن يسعى لمسعاك أنسى المؤيد أخبار الألى سلفوا ** في الملك ما بين وهاب وفتاك ذو الرأي يشكو السلاح الجم قاطعه ** لذاك يسمى السلاح الجم بالشاكي والمكرمات التي افترت مباسمها ** والغيث بالرعد يبدي شهقة الباكي قل للبدور استجني في الغمام فقد ** محا سنا ابن علي حسن مرآك إن ادعيت من البشر المطيف به ** غيظا فقد ثبتت في الوجه دعواك يا أيها الملك المدلول قاصده ** وضده نحو ستار وهتاك وحدته في الورى بالقصد وارتفعت ** وسائلي فيه عن زيغ وإشراك سقيا لدنياك لا لقب يخالفه ** فيها لديك ولا وصف بأفاك من كان من خيفة الإنفاق يمسكها ** فأنت تنفقها من خوف إمساك
مدرس الشافعية بالموصل وشارح مختصر ابن الحاجب ومقدمته في النحو وله شرح على الحاوي كان إماما في المعقولات توفي سنة خمس عشرة وسبعمائة عن سبعين سنة وله شرح حسن على المطالع وشرح شمسية المنطق وأصول الدين وقد وقفت عليه وله على مقدمة ابن الحاجب ثلاثة شروح مطول ومختصر متوسط وهذا المتوسط هو الذي بين أيدي الناس اليوم وكان جليل المقدار معظما عند ملوك الزمان حسن السمت والطالع حكي أنه كان مدرسا بماردين بمدرسة هناك تسمى مدرسة الشهيد فدخلت عليه يوما امرأة فسألته عن أشياء مشكلة في الحيض فعجز عن الجواب فقالت له المرأة أنت عذبتك واصلة إلى وسطك وتعجز عن جواب امرأة قال لها يا خالة لو علمت كل مسألة أسأل عنها لوصلت عذبتي إلى قرن الثور
بتشديد اللام الشيخ شرف الدين مفتي دار العدل بدمشق في زمن الأفرم درس بالعذراوية والجاروخية بدمشق وكان من فقهاء المذهب مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة وتوفي في شهر رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة سمع من أبي عبد الله محمد بن عبد الخالق بن طرخان ومحمد بن إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي وأبي عبد الله محمد بن عبد القوي وأبي الحسن علي بن أحمد الغرافي والحافظ أبي محمد الدمياطي وغيرهم وحدث بالقاهرة تفقه على أبي الفضل جعفر التزمنتي وأقام بالقاهرة يدرس بمدرسة الحاج الملك ويشغل الطلبة بالعلم وتجرد مع الفقراء مدة وكان قوي النفس جدا حاد الخلق مقداما في الكلام وهو من أهل الخير والصلاح صحب الشيخ أبا العباس الشاطر وغيره من الأولياء حكى لي الوالد تغمده الله برحمته أن المذكور تجرد زمنا طويلا ثم حضر درس قاضي القضاة ابن بنت الأعز فأنشد بعض الناس قصيدة في مدح سيدنا رسول الله فصرخ الشيخ نجم الدين وحصلت له حالة فأنكر القاضي وقال أيش هذا فقام الشيخ نجم الدين منزعجا وقال هذا ما تذوقه أنت وترك المدرسة والفقاهة بها وحكى لي من أثق به قال سمعته يقول وهو ثقة أول صحبتي لأبي العباس الشاطر خرجت معه من القاهرة إلى دمنهور فلما طلعنا من المركب وكان فيها رفيق تاجر له في المركب فراش ونطع فطلعنا بحوائج الشيخ أبي العباس فلما انتهيت قال انزل هات الفراش والنطع فنزلت فقال لي صاحبهما هما لي فعدت إلى الشيخ فقال لي عد إليه وقل له هاتهما فعدت فأعاد الجواب فأعادني ثالثا فأبى فقال لي رابعا عد إليه وقل له غرق الساعة في البحر لك مركب وكل مالك فيها لم يسلم إلا عبد ومعه ثمانية عشر دينارا فكان الأمر كذلك قلت هذا الشاطر كان عظيم القدر بين الأولياء معروفا بقضاء الحوائج إذا كان للإنسان حاجة جاء إليه فيشتريها منه يقول له كم تعطي فيقول كذا وكذا فإذا اتفق معه قال قضيت في الوقت الفلاني وغالب تقضى في الوقت الحاضر ولم نحفظ أنه عين وقتا فتقدمت عليه الحاجة ولا تأخرت والحكايات عنه في هذا الباب كثيرة مشهورة وكان قد تخرج بالشيخ أبي العباس المرسي توفي في صفر سنة تسع وثلاثين وسبعمائة الأخ جمال الدين أبو الطيب القاضي ولد في رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وحضره أبوه على جماعة من المشايخ وحضر البخاري على الحجار لما ورد مصر وسمع على يونس الدبابيسي وغيره وطلب العلم وتفقه على الشيخ مجد الدين السنكلوني وقرأ النحو على أبي حيان أكمل عليه قراءة التسهيل والأصلين على الشيخ شمس الدين الأصبهاني وقرأ على جماعة غيرهم وأحكم العروض قراءة على أبي عبد الله بن الصائغ وأتقنه ثم قدم الشام حين ولاية الوالد للقضاء بها وطلب الحديث بنفسه وقرأ على المزي والذهبي وقرأ الفقه على الشيخ شمس الدين ابن النقيب ثم عاد إلى مصر ودرس بالمدرسة الكهارية وولي الإعادة بدرس القلعة عند القاضي شهاب الدين بن عقيل ثم عاد إلى الشام ودرس بالمدرسة الدماغية وولي نيابة الحكم عن والده بعد وفاة الحافظ تقي الدين أبي الفتح ثم درس بالمدرسة الشامية البرانية وكان يلقي بها دروسا حسنة مطولة ثم بالمدرسة العذراوية وكان من أذكياء العالم وكان عجيبا في استحضار التسهيل في النحو ودرس بالآخرة على الحاوي الصغير وكان عجيبا في استحضاره توفي يوم السبت ثاني شهر رمضان سنة خمس وخمسين وسبعمائة ودفن بقاسيون ذكره القاضي صلاح الدين الصفدي في كتابه أعيان العصر فقال كان ذهنه ثاقبا وفهمه لإدراك المعاني مراقبا حفظ التسهيل لابن مالك وسلك من فهم غوامضه تلك المسالك وحفظ التنبيه وكان يستحضره وليس له فيه شريك ولا شبيه وقرأ غيره سرا وكان يعرف العروض جيدا ويثبت لأركان قواعده مشيدا وينظم الشعر بل الدرر ويأتي في معانيه بالزهر والزهر عفيف اليد في أحكامه لم يقبل رشوة من أحد أبدا ولم يسمع بذلك في أيامه انتهى ومن نظم الأخ ملغزا من أبيات لا ريب فيه وفيه الريب أجمعه ** وفيه بأس ولين البانة النضره وفيه كل الورى لما تصحفه ** وضيعة ببلاد الشام مشتهره وكتب إلى القاضي الفاضل شهاب الدين بن فضل الله في سنة خمس وأربعين وسبعمائة وقد وقع الشيخ بدمشق كثيرا من أبيات البحر أنت وقد وافى يناديكا ** هذا السحاب وقد أوفى بناديكا ما ذاك والبرق ما تومي أصابعه ** إلا إليك فأعدته أياديكا لكنه زاد في تشبيه عارضه وكتب إلى الشيخ صلاح الدين الصفدي سائلا من أبيات فكرت والقرآن فيه عجائب ** بهرت لمن أمسى له متدبرا في هل أتى لم ذا أتى يا شاكرا ** حتى إذا قال الكفور تغيرا فالشكر فاعله أتى في قلة ** والكفر فاعله أتى مستكثرا فعلام ما جاآ بلفظ واحد ** إن التوازن في البديع تقررا لكنها حكم يراها كل ذي ** لب وما كانت حديثا يفترى فأجابه من أبيات وجوابه إن الكفور ولو أتى ** بقليل كفر كان ذاك مكثرا بخلاف من شكر الإله فإنه ** بكثير شكر لا يعد مكثرا فإذن مراعاة التوازن هاهنا ** محظورة لمن اهتدى وتفكرا وقد مدح الأخ جمال الدين إمامان كبيران أحدهما الشيخ الحافظ تقي الدين أبو الفتح فقد كتب إليه من دمشق لما سافر من دمشق إلى مصر ما أنشدنيه من لفظه لنفسه وهو هوى أغراه بي قلبي وعيني ** فأذهب بالضنى أثري وعيني وأضحى الدمع منحدرا بخدي ** ولا عجب تحدر ماء عيني وسهم الحب عند الوصل مصم ** فكيف وقد أضيف لسهم بين بنفسي من نأى فنأى اصطباري ** وواصلني السقام وحان حيني وكنا قد تعاهدنا على أن ** يكون تواصلا كالفرقدين فصرنا بالنوى كبنات نعش ** وحال البعد بينكم وبيني وكم شخص رأيت فلم يرقني ** ولم يحسن لدي سوى حسين إمام إن تكلم في مجال ** أبان كلامه للمذهبين وإن ظهرت فوائده بروض ** شهدنا الجمع بين الروضتين وإن حلت أياديه بأرض ** فبحر النيل دون القلتين وإن سمحت قريحته بشعر ** فلا تحفل بنور الشعريين وإن برزت بديهته بنثر ** فلا تنظر لضوء المرزمين وإن همت عزائمه بشيء ** أتاك بما يسر الناظرين وتصغير اسمه ما فيه عيب ** ألم تنظر لمعنى الأصغرين جمال الدين طال البعد فاقرب ** لعلي اقتضي بالقرب ديني ولا تبخل بطيف في منام ** فأين النوم من سهران عين ولا تبخل بوعد باقتراب ** فوعد الحر قالوا مثل دين فمنذ رحلت لم أنظر لنور ** ولم أرتع بروض النيرين وما طمحت إلى الشرقين عيني ** ولم أحفل ما في الواديين فما حال امرئ يجفوه منكم ** ومن يأنس لداني الجنتين فخذها نظم عبد ذي ولاء ** تقرر وده في الخافقين يقر لها حبيب حين أبدى ** خشنت عليه أخت بني خشين ومنا أخجل الحلي لما ** أذاب التبر في كأس اللجين والثاني الأخ الشيخ العلامة بهاء الدين أبو حامد أطال الله عمره وكتب بها إليه لما درس بالمدرسة الشامية البرانية هنيئا قد أقر الله عيني ** فلا رمت العدى أهلي بعين الأولى الحاسة الثانية الإصابة بالعين وقد وافى المبشر لي فأكرم ** بخير ربيئة وافى وعين يخبرني بأن أخي أتاه ** مناة وسعده من كل عين فلو سمح الزمان لكنت أعطي ** له ما فيه من ورق وعين أيا شامية الشام افتخارا ** بمن لسناه تعشو كل عين بمن بركاته ظهرت فنارت ** بها الدنيا وحفت كل عين فتى إن عدت الأعيان قالت ** له الأيام إنك أنت عيني وحبركم حوى من بحر علم ** يروي الطالبين بطول عين ويلقي في العلوم لكل وفد ** غزير فوائد كغدير عين وواسطة لعقد بني أبيه ** كأوسط لفظة تدعى بعين وقاض أمره في الناس ماض ** فلا يخشى من استقبال عين وينصب بينهم قسطاس حق ** خلت من كل تطفيف وعين له نوران من ورع وعلم ** تخلهما كبدر دجا وعين يصير عذله ذا المطل عدلا ** ويجعل كل دين محض عين ويحجب عز نائله ضياء ** كما حجب الغزالة ضوء عين لقد شرفت دمشق به ومصر ** فقد سارت محاسنه لعين وتعظم كل أرض حل منها ** ولو خفرت خفارة رأس عين يجود بكل ما في راحتيه ** إذا بخلت بنو الدنيا بعين ويوسع للورى نادي القرى إن ** مزادة غيره شحت بعين وعم نداه من شرق وغرب ** فلم يحوج إلى سلف وعين جمال الدين فضلك ليس يحصى ** فدونك قطرة من سحب عين برغمي أن أهني عن بعاد ** وحقي أن أجيء لكم بعيني ومن سفه المعيشة غيبتي عن ** دروسك لم أفوقها بعين ولو أسطيع جئت ولو جثيا ** على ركبي إليك بكل عين ولولا ما أروم من التلاقي ** لأذهب بينكم نفسي وعيني وكنت لعين قطر سال قدما ** فما أزكى وأحسن سيل عين متى ألقاكم من عين شمس ** وقد حلت ركابكم بعين وهن أخاك تاج الدين عني ** فإن كليكما خلي وعيني وقوما وادعوا لأبيكما إذ ** لنا منه أبر أب وعين به زكت الفروع وطاب منها ** غصون أخرجتها حين عين فدام بقاؤه ما لاح برق ** وأطرب صوت قمري وعين ومن ينظر إليه بعين سوء ** يقابله الإله بكل عين ولا زالت أعاديه تردى ** بكل مزلة وبكل عين وقد جمعت معاني العين طرا ** قصيدي لم تدع معنى لعين فلو عاش الخليل لقال هذي ** معان ما رأتها قط عيني وقد ضاقت قوافيها وركت ** وذلك لالتزامي لفظ عين ولو لم ألتزم هذا لفاقت ** قصيد أديب أرض الجامعين ولولا ذا لطاب لها ختام ** بذكر مليكها القاضي الحسين وطاف على الصحاب بكأس راح ** وطافت مقلتاه بآخرين رخيم من بني الأتراك طفل ** يجاذب ردفه جبلي حنين يبدل نطقه ضادا بدال ** ويشرك عجمة قافا بغين يطوف على الرفاق من الحميا ** ومن خمر الرضاب بمسكرين إذا يجلو الحميا والمحيا ** شهدنا الجمع بين النيرين وآخر من بني الأعراب حفت ** جيوش الحسن منه بعارضين إلى عينيه تنتسب المنايا ** كما انتسب الرماح إلى ردين نلاحظ سوسن الخدين منه ** فيبدلها الحياء بوردتين ومجلسنا الأنيق تضيء فيه ** أواني الراح من ورق وعين فأطلقنا فم الإبريق فيه ** وبات الزق مغلول اليدين وشمعتنا شبيه سنان تبر ** تركب في قناة من لجين وقهوتنا شبيه شواظ نار ** توقد في أكف الساقيين إذا مليء الزجاج بها وطارت ** حواشي نورها في المشرقين عجبت لبدر كأس صار شمسا ** يحف من السقاة بكوكبين ونحن نرق أعباد النصارى ** بشط محول والرقمتين نوحد راحنا من شرك ماء ** ونولع في الهوى بالمذهبين وقد صاغت يد الأزهار تاجا ** على الأغصان فوق الجانبين بورد كالمداهن من عقيق ** وأقداح كأزرار اللجين وقد جمعت لي اللذات لما ** دنت منا قطوف الجنتين وما أنا من هوى الفيحاء خال ** ولا ممن أحب قضيت ديني إذا ما قلبوا في الحشر قلبي ** رأوا بين الضلوع هوى حسين تملك حبه قلبي وصدري ** فأصبح ملء تلك الخافقين وأعوز مع دنوي عنه صبري ** فيكف يكون صبر بعد بين إذا ما رام أن يسلوه قلبي ** تمثل شخصه تلقاء عيني ألا يا نسمة السعدي كوني ** رسولا بين من أهوى وبيني ويا نشر الصبا بلغ سلامي ** إلى الفيحاء بين القلعتين وحي الجامعين وجانبيها ** فقد كان لشملي جامعين وقل لمعذبي هل من نجاز ** لوعدي سالفيك السالفين سميك كان مقتولا بظلم ** وأنت ظلمتني وجلبت حيني وهبتك في الهوى روحي بوعد ** وبعتك عامدا نقدا بدين وجئت وفي يدي كفني وسيفي ** فكيف جعلتها خفي حنين وكم صيرت بعدك قيد قلبي ** وكان جمال وجهك قيد عين فصرنا نشبه النسرين بعدا ** وكنا ألفة كالفرقدين علمت بأن وعدك صار مينا ** لزجري مقلتيك بصارمين وقلت وقد رأيتك خاب سعيي ** لكن البدر بين العقربين فكم دللتني بخيال زور ** وكم أطمعتني بسراب مين وهل لا قلت لي قولا صريحا ** فكان المنع إحدى الراحتين عرفتك دون كل الناس لما ** نقدتك في الملاحة نقد عين وكم قد شاهدتك الناس قبلي ** فما نظروك كلهم بعيني وطاوعت الفتوة فيك حتى ** جعلتك في العلاء برتبتين فلما أن خلا المغنى وبتنا ** عراة بالعفاف مؤزرين قضينا الحج ضما واستلاما ** ولم نشعر بما في المشعرين أتهجرني وتحفظ عهد غيري ** وهل للموت عذر بعد ذين وقلت الوعد عند الحر دين ** فكيف مطلتني وجحدت ديني أأجعل لي عليك سواك عينا ** وكنت على جميع الناس عيني إذا ما جاء محبوبي بذنب ** يسابقه الجمال بشافعين وقلت جعلت كل الناس خصمي ** لقد شاهدت إحدى الحالتين وكان الناس قبل هواك صحبي ** فهل أبقيت لي من صاحبين بعادي أطمع الأعداء حتى ** رأوك اليوم حرب الناظرين وهل لا طالعوك بعين سوء ** وأمري نافذ في الدولتين وما خففت جناح الجيش إلا ** رأوني ملء قلب العسكرين لئن سكنت إلى الزوراء نفسي ** فإن القلب بين محركين هو يعتادني لديار بكر ** وآخر نحو أرض الجامعين يسارع نحو رأس العين خطوي ** وأقصدها على رأسي وعيني وأسرح في حمى جيرون طرفي ** وأرتع في رياض النيرين فليس الخطب في عيني جليلا ** إذا قابلته بالأصغرين فيا من بان لما بان صبري ** وحاربني بسهم المقلتين تنغص فيك بالزوراء عيشي ** وبدل زين لذاتي بشين وما عيني بها جهما ولكن ** رأيت الزين بعدك غير زين والحلي عارض أبا تمام في قصيدته التي مطلعها خشنت عليه أخت بني خشين ** وهي معروفة ولم أجد على هذا الوزن والروي أقدم من أبيات قالها أعرابي قيل له من لم يتزوج بامرأتين لم يذق حلاوة العيش فتزوج امرأتين فندم وأنشأ يقول تزوجت اثنتي لفرط جهلي ** بما يشقى به زوج اثنتين فقلت أصير بينهما خروفا ** أنعم بين أكرم نعجتين فصرت كنعجة تضحي وتمسي ** تداول بين أخبث ذئبتين رضا هذي يهيج سخط هذي ** فما أعرى من احدى السخطتين وألقى في المعيشة كل بؤس ** كذاك الضر بين الضرتين لهذه ليلة ولتلك أخرى ** عتاب دائم في الليلتين فإن أحببت أن تبقى كريما ** من الخيرات مملوء اليدين وتدرك ملك ذي يزن وعمرو ** وذي جدن وملك الخافقين وملك المنذرين وذي نواس ** وتبع العريم وذي رعين فعش عزبا فإن لم تستطعه ** فضربا في عراض الجحفلين
الإمام الأديب الناظم الناثر أديب العصر ولد سنة ست وتسعين وستمائة وقرأ يسيرا من الفقه والأصلين وبرع في الأدب نظما ونثرا وكتابة وجمعا وعني بالحديث سمع بالآخرة من جماع وقرأ على الشيخ الإمام رحمه الله جميع كتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه أفضل ولازم الحافظ فتح الدين بن سيد الناس وبه تمهر في الأدب وصنف الكثير في التاريخ والأدب قال لي إنه كتب أزيد من ستمائة مجلد تصنيفا وكانت بيني وبينه صداقة منذ كنت صغيرا فإنه كان يتردد إلى والدي فصحبته ولم يزل مصاحبا لي إلى أن قضى نحبه وكنت قد ساعتده آخر عمره فولي كتابة الدست بدمشق ثم ساعدته فولي كتابة السر بحلب ثم ساعدته فحضر إلى دمشق على وكالة بيت المال وكتابة الدست واستمر بهما إلى أن مات بالطاعون ليلة عاشر شوال سنة أربع وستين وسبعمائة وكانت له همة عالية في التحصيل فما صنف كتابا إلا وسألني فيه عما يحتاج إليه من فقه وحديث وأصول ونحو لا سيما أعيان العصر فأنا أشرت عليه بعمله ثم استعان بي في أكثره ولما أخرجت مختصري في الأصلين المسمى جمع الجوامع كتبه بخطه وصار يحضر الحلقة وهو يقرأ علي ويلذ له التقرير وسمعه كله علي وربما شارك في فهم بعضه رحمه الله تعالى
كنت أصحبه منذ كنت دون سن البلوغ وكان يكاتبني وأكاتبه وبه رغبت في الأدب فربما وقع لي شعر ركيك من نظم الصبيان فكتبه هو عني إذ ذاك وأنا ذاكر بعض ما بيننا مما كان في صغري ثم لما كان بعد ذلك كتب إلي مرة وقد سافر إلى مصر ولم يودعني يا سيدا سافرت عنه ولم أجد ** جلدي يطاوعني على توديعه إن غبت عنك فإن قلبي حاضر ** يصف اشتياقي للحمى وربوعه في أبيات أخر فكتبت الجواب يا راحلا بحشا المقيم على الوفا ** ما الطرف بعدك مؤذيا بهجوعه إن غبت عنه فما تغير منه إلا ** جسمه سقما ولون دموعه والقلب بيت هواك راح كأنه ** بيت العروضيين من تقطيعه في أبيات أخر أنسيتها كتب إلي مرة وقد ولد له ولد يدعوني إلى حضور عقيقته عبدك هذا الجديد أضحى ** يقول فاسمع له طريقه يا جوهرا في الزمان فردا ** ما ضر أن تحضر العقيقه فكتبت إليه هنيت ذا الجوهر المفدى ** بالعرض الكنه والحقيقه لو لم تكن حازما مصيبا ** لم تفتد النفس بالعقيقه أعارني مرة من تذكرته مجلدا وكان يصنف كتابا في الوصف والتشبيه وينظر عليه التذكرة ويكتب على كل مجلد إذا نجز نجز التشبيه منه فلما وجدت ذلك عليه بخطه قلت هذا نصف بيت فكتبت إلى جانبه نجز التشبيه منه ** وروى الراوون عنه إن مولانا لبحر ** طافح إن لم يكنه فاقد الأشباه فرد ** فرغ التشبيه منه ولا يحضرني الآن ما كتبه هو جوابا عن هذا كتب هو إلي مرة يسألني عن تثنية لفظ عين وعين في بيت الحريري فانثنى بلا عينين فأجبته بجواب يطول قد حكاه هو في كتابه المسمى صرف العين وقلت في آخره وكتبت إليه من القاهرة في سنة ثلاث وستين وسبعمائة لا تبكين ماء تسنه ** ودع الرسوم المستجنه خل ادكارك فالعيون ** كليلة آثار دمنه واهجر غزالا نار خديه ** إذا حققت جنه وسنان كم نبهته ** والعجب يطبق منه جفنه متغافل أدعوه من ** وجد إذا ما الليل جنه في النفس حاجات إليك ** من الوصال وفيك فطنه فرض على العين البكا ** إذ لحظه للفتك سنه أحوى بديع الحسن ظبي ** في الحقيقة أو كأنه وله معاطف ما دعا ** هن الصبا إلا أجبنه هذا وذا مع أنه ** لم يلتفت يوما لأنه ويخاف من واش له ** عين مراقبه الأكنه وفم فضولي تقل ** الرجل منه راس فتنه بكر العواذل في الغرام ** يلمنني وألومهنه ويقلن شيب قد علاك ** وقد كبرت فقلت إنه أبرزن لما لمن قلبي ** المضمرات المستكنه فتحركت نفس على ** نار الصبابة مطمئنه قد هجن حين عذلتها ** وعواذل العاني يهجنه أنى يصح من العواذل ** من نها صبا ونهنه هم جمع تكسير تصرف ** في دفاعهم الأعنه فاهجرهم الهجر الجميل ** فكل ما قالوه هجنه واذكر صفاء أبي الصفا ** والخطب معتكر الدجنه السيد اليقظ الأغر ** أخي الوفاء بدون منه والندب ذو الهمات ما ** أبدأن من جود أعدنه والجود مثل الجود يسقي ** الألف منه ألف مزنه والحلم كالجبل اعتلت ** فيه الرياح فما أزلنه والجد ينهض لو تعالته ** النجوم لما بلغنه والأيد تبطش لو تغالبه ** الأسود لما غلبنه متدرع ثوب التقى ** حصنا وتقوى الله جنه متفنن بحر إذا ** جاريته لم تدر فنه أدب نضير يستحب لمن ** له الآداب سنه وله بنات الفكر غرتها ** استهلت كالأجنه فكر إذا عاين معنى ** طائرا في الجو صدنه وعلوم دين لم يخل ** خليلها فرضا وسنه وجليل قدر دق فهما ** لا يضاهي التبر ذهنه يا أيها الحبر الذي ** جعل الإله الخير ضمنه لو فصل الخياط قال ** لكل ما وصلت حسنه أسدي وألحم لست أقدر ** أن أزيد عليك طعنه ولو أن الأفوه حاضر ** لعرته بين يديك لكنه وغدا الصريع به كديك ** الجن مما قلت جنه دم وابق ما بقي الزمان ** فإن وهي زلزلت وهنه ولقدرك العالي العلو ** فما النجوم علا يطلنه يقبل الأرض لا يبعد الله دارها ولا يجاوز إلا بالجوزاء مقدارها ولا يسمعها من أنباء من أعلن لها أو سارها إلا سارها تقبيلا يقوم بسنة الفرض ويعرب عن مبني ود مديد كامل الطول والعرض ويفصح عن خضوع لفضه فإذا أنشد منشده بين يديه بلغنا السماء تلا هو من أجله جعلت نفسي أرضا ** للصادر الوارد حتى يرضى وينهي بعد وصف حب اعتده دينا فتسلم كتابه باليمين ثابت يزيد حلاوة إيمانه في القلب مر السين باق لا يبدل إذا ما غير النأي المحبين ما غير البعد حالا كنت تعرفه ** ولا تبدلت بعد الذكر نسيانا ولا ذكرت جليسا كنت آلفه ** إلا جعلتك فوق الكل عنوانا أن موجب تأخير كتبه محض الاقتداء والسير على سنتكم في قلة الكتب مع كثرة الوفاء وكيف لا وقد رفع أبو رافع مولى القوم منهم إلى سيد الأنبياء وعند ذلك ينقلب معتذرا عن تهجمه بهذه الضراعة مبتدرا إلى ذكر الفار حيث أطال لسانه وباعه مزدجرا عما لعله ذنب إذا علم به مولاه سامه البعد وباعه فيقول قيد الحب أطلق لساني فأعرب عن المبني على السكون وسرح يدي فخطت ما هو في لوحها المحفوظ مصون وأذن لي فتصرفت في الكتابة وكيف لا يتصرف العبد المأذون فأصدرت هذه الواردة مدى بأني منهم وهم مني وهذا المنى وقلت اسألي عنهم وخبري عني حاشاك من عنا وبادري مولاك ولا تخشي أن يقال ما أتى بك هاهنا وخذي من شرح الحال في كل فن وكوني ممن إذا سمع صالحا أذاعه وإن سمع طالحا أو يرى ريبة دفن وأطلقي الدمع ولا تخافي أن يقال ما هاج العيون الذرفن واعتمدي على المسامحة فهم أهلوها واتخذي إخلاص الولاء ذريعة أن لا يفتقدوها وثقي بهم فهم أحسن الناس وجوها وأنضر هموها أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ** دجا الليل حتى نظم الجزع ثاقبه المملوك ينهي أنه منذ سافر من دمشق مستبشرا وباع الأسفل بالأعلى وتلا أقمت بأرض مصر فلا ورائي ** تخب بي الركاب ولا أمامي ولم ينشد ذم المنازل بعد منزلة اللوى ** والعيش بعد أولئك الأيام لكثرة ما لقي من التعظيم الذي لو شعر به العدو لا نظم أسبابه خيم المملوك على كرم الله وسار متوكلا عليه يحسب كل حمد فمد سبحانه وتعالى أطنابه وورد حيث قصد فوجد الله عند فوفاه حسابه ولم يخش بحسن ظنه من ذي العرش إقلالا ولم يصادف إلا من قال له أهابك إجلالا ولم يناده كل محب إلا بكذا هكذا وإلا فلا لا وقال كل أمير أنت الحكم الترضى حكومته هناك هناك وأنشد الله أعطاك فضلا من عطيته ** وأولاك وبالغ في البشر وما كل من يبدي البشاشة كائنا أخاك بل ربما حسبته أباك وأما زمر الأعداء فكل منهم عبس وتولى وتبين لولي الأمر أن لمثله يقال وناديت كلا من زاجري عن حضور هذه المعركة ألا أيها ذا الزاجري أحضر الوغى ** أولى لك فأولى لقد استولى الحق على عرشه واستوى ولم يكن غير الإحراجات الأهوية وللأعراض قائلة (لا نبرح نحن ولا أنت مكانا سوى ) فلما طلع صبح الحق على من أمرضت قلبه بان وبدا له من بعد ما اندمل الهوى قوم أشربوا في قلوبهم المنصب فقطع أمعاءهم وأعجبوا بألسنة حداد فضلعت أعضاءهم واستكلبوا على اصطياد جارحة فطرحهم قتلى ورد أهواءهم لم يرجعوا حتى وقف الهوى وأهلكهم كل نزاعة للشوى وقوبل كل أفاك منهم بما نوى لعب بهم شيطان الحسد وشد وثاقهم الذي لا يوثق به بحبل من مسد وطبع على قلبه واغتاله فقلت له غالتك إذا الغول بل اغتالك الأسد ولقد عذلت حليمهم ونهيته ** فأبى وقال هواي أمر محكم وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ** متأخر عنه ولا متقدم فأردت أطنب قال لي متبرما ** أطنب أو أوجز حبل كيدي مبرم أجد الملامة في هواك لذيذة ** حسدا وبغيا فليلمني اللوم فلما سمعت قوله أجد الملامة في هواك لذيذة ** ورأيت من قلبه المعاني ما يحمله على أن يجعل ضالة المؤمن منبوذة ويطبع على قلبه والأفئدة بدون هذا مأخوذة عرفت أن العذل لا يرجعه وأن الحق ختم على قلبه فلا ينجده العدل ولا ينجعه وأنه لا يزال يحاول سقوط من كان فوق محل الشمس موضعه وأنه لزم إطلاق اللسان فيما لا يعنيه لزوم الخطيب للمنابر وكتابة الباطل لزوم الأقلام للمحابر والاشتغال لمن يترفع قدره عنه لزوم الأعراض للجواهر عدلت عن عذله واكتفيت بالحكم العدل وعدله ورفت قصتي على يدي إحسانه وفضله وجئت فشاهدت من الأمير الكبير والسلطان ما رغم به أنف الشيطان وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان وصرت المسؤول فيما حسبوا أني أحاوله استقرارا والمتضرع إليه في العود مرارا والمعرض عما حسدوا عليه استصغارا لقوم وحفتين من الله ألطافه ونعمه وأطلق في الثناء علي بفضل من هو كل يوم في شأن لسانه وقلمه وبان ووضح أن العدو ظمآن وفي بحر الغواية فمه وكل ذلك ببركة سيدنا رسول الله سيد النبيين فلست والله قدر واحدة من هذه النعم التي تقلدت عقدها الثمين ولا أنا ممن يفتخر بعلم ولا دين ولا نسب ولو شئت لأنشدت وكان لنا أبو حسن علي ** أبا برا ونحن له بنين ثم لما كان قد امتلأ من ماء دمشق بطني ونادى حوض الآمال قطني وسئمت نفسي صداع الشام وماذا يدري الشعراء وغيرهم مني ورأيت هذا الإكرام الذي ملأ عنان السما وذكرت دمشق وما وما وما أقول وكل دمشق ما قلت لمن لامني فيها خليلي ما واف بعهدي أنتما ** ومعاذ الله أن ألوم أهل الشام وقد أحسنوا وأنعموا وما أصاحب من قوم فأذكرهم ** إلا يزيدهم حبا إلا همو وإنما ألوم فرقة قلبوا الحق وبدلوا القرآن فصموا وعموا
وأما السادة الأصحاب فالمخصوص من بينهم بعموم التحية والمقبل كفه مئة وقال السجع ميه من يحسن سلامي كل يوم إليه سيدنا الشيخ عز الدين شيخ السلامية والثاني لهذا المقدم في الأقطار من تحققت مودته بعد البحث مع الأشباه والأنظار وعرف بقوله في التقوية واهتمامه في المعروف وإن لم يصلح العطار ثم سائر المخاديم يقبل المملوك يدهم سيدا سيدا ويخص السادة الأولاد الأعزة فلا يجد إلا محمدا ويلتفت متهما منجدا فينادي أصحابي أين من لا أعدل به أحدا كأن صارمه فل فأتبعه قوما بورا أو نبا فوجد قصورا أسكنه قبورا أتراه في جهة أم لا تحويه الجهات ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فأجابه وافى قريضك لي كأنه ** صبح وقد شق الدجنه أبصرته والليل أمسى ** ذا غياطل مرجحنه وفضضته فأضاءت الأنوار ** من هنا وهنه لحمائم الألفاظ منه ** رنة من بعد رنه فاللحن منه مطرب ** مع أنه ما فيه لحنه كم منة أوليت منه ** وكم به قويت منه هو جنة بل جنة ** في السر من ناس وجنه أبيات شعر ضرة ** للشمس أو للبدر كنه أما البديع فإنه ** أدغمته فيه بغنه فيه بدائع مادرى ** أهل البلاغة ما اسمهنه خلفت مفتاح العلوم ** معطلا وكسرت سنه وقهرت عبد القاهر المسكين ** حتى حاز حزنه يا حسنه من روضة ** أزهارها لم تسق مزنه أبرزت فضل حلاوة ** في النيل كانت مستكنه فأرى معانيه جزافا ** والخليل أحب وزنه كم فيه علق مضنة ** لمنى النفوس غدا مظنه كنز من الأدب استعنت ** به على فقر ومحنه هو كوم تبر منه آخذ ** حفنة من بعد حفنه لو أن جرول ذاق من ** جرياله لم يلق سجنه وكذا زهير لو رآه ** روى وما أصبته دمنه وأرى الحزين لأجله ** كم أسمع الأقوام أنه وكذلك الرماح كم ** في شعره للناس طعنه وجميل قبح فعله ** إذ بث عنه حديث بثنه وكثير قد قل حين ** أرته عزة كل هنه وأبو نواس لو رآه ** ما أقام بدير حنه وغدا فروق كأسه ** ودنا فروق منه دنه وارتد مسلم منه عن ** حب الغواني إذ صرعنه نظم يلين قاسيون ** ولو أبى لنفشت عهنه وشفعته بترسل ** أدرجت لي التسهيل ضمنه ونقلت فيه شواهدا ** عند ابن مالك مستجنه لو كنت في عصر مضى ** يا من أعار الشمس حسنه ما جاء حظ الجاحظ المعروف ** في التبيان تبنه وبكى ابن بسام إلى ** أن بل بالعبرات ردنه والفتح أغلق بابه ** ورمى قلائده بمهنه أسفي على عبد الرحيم ** فإنه أخملت فنه وأتيت فيه بمعجزات ** فتنه فأصاب بتنه هو مالك الإنشاء إن ** شاء التقدم لم ينهنه وإمامنا لكنه ** إن قسته بك فيه لكنه لو عاش كان أولو النهى ** ما داهنوا في الحق دهنه ولقال كل منهم ** والحق لم يك فيه هدنه هذا عليك مقدم ** فاضرب برأسك ألف قرنه لكن جعلت الشام بعدك ** كالجحيم وكان جنه ودمشق بعدك قد تردت ** ثوب حزن فيه دكنه لم يسق من يرد البريص ** ولو أتى أولاد جفنه وكذلك ثورا بعد بعدك ** ما تسنى بل تسنه والجامع المعمور كاد ** تزعزع الأشواق ركنه والقبة الشماء ليس ** بجوها للنسر قنه كانت به الأعطاف وهي ** موائد يملأن صحنه والآن أفقر وحشة ** وأسال منه السقف دهنه ودموعه فوارة ** قد قرحت بالفيض جفنه وغدت قسي قناطر ** فيه من البرحاء مزنه ولكم نفوس من نفوس ** متن حين أكل متنه لم يبق إلا زورة ** لتزيل لما غبت غبنه فالله خيب فيك ما ** قال الحسود ورد ظنه قد كاد حتى كاد يمسي ** ما تقوله عرضنه عملا بقول محمد بن ** يسير فهو يسير سنه تخطي النفوس مع العيان ** وقد تصيب مع المظنه كم من مضيق في الفضاء ** ومخرج بين الأسنه مولاي يا قاضي القضاة ** ومن عوارفه شهرنه ومقيل عثره كل من ** قلب الزمان له مجنه ومبلغ الآمال ظمآنا ** تشوق ما مجنه أنا عند غيرك في الورى ** ممن عوارفه أضعنه فلأجل ذا أوقعت نفسي ** في الجواب بغير فطنه خفت الحريق بنار تقصيري ** وشيب الرأس قطنه لكن أجبت فإن أجدت ** فلم أظن ولن أظنه إن الشجاع بلحمه ** سمح إذا لم يرض جبنه فاسلم ودم في نعمة ** ما زان زهر الروض حزنه يقبل الأرض حيث تضع الملائكة بها الأجنحة ويتخذ الأنام من الدعاء في مواطنها مواضي الأسلحة ويفعل الله بها ما أحب فإنه لا يجب عليه شيء وإن راعى المصلحة ويعمل طلاب العلم إليها الركاب بكل يعملة كأن راكبها غصن بمروحة ** وإني بتقبيلي لك الأرض والثرى ** على كل من فاخرته لفخور تقبيلا يثبت به الجوهر الفرد فإن كل جزء منه للقبل يتجزأ ويحط به أثقال خطوب أقعدته عن اللحاق بها عجزا ويتشرف بمشافهة تربها فإن ناله منها أقل الأجزاء أجزا ترابهم وحق أبي تراب ** أعز علي من عيني اليمين وينهي بعد وصف ولاء حكم بتصديقه لما تصوره كل منطقي ومنطيق ودل بالمطابقة والتضمن والالتزام على أنه في الوفاء عريق عري من تلف التلفيق وأصبح وحده جامع مانع لأن جنسه القريب هو الإخلاص وفصله التحقيق عرفت بصدق الود فيك لأنني ** رفعت بلا عجز لواء ولائي ورفع أدعية ما أخل بأداء فرضها إن بعد أو دنا ولا أخذها إلا من النابغة حيث قال بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ** ولا أنكرتها ملائكة القبول إلا مرة ثم اعترفت بها فصارت ديدنا إذا رفعت يوما لذي العرش خيمت ** لصدق ولائي فيك بين السرادق وبث أثنية ما أمسك المسك معها رمقه ولا ثبت لها البدر حتى خسف لما لمح محياها ورمقه ولا طالبت دهاليز الأنهار بين قصور الروض إلا وأنفاس الأزهار منها مسترقة أثني عليك ولو تشاء لقلت لي ** قصرت فالإمساك عني نائل ورود المثل العالي الذي ما ناله نظير ولا مثال ولا جود ابن العديم في الوجود إلا على سطوره فإنها له مثال ولا مضى له حسن حتى تدخل سين السرور على حاله فتميزه وتخلصه للاستقبال ولا تلقاه شاكي سلاح من البلاغة إلا وراح كما قال امرؤ القيس ولي بذي رمح وليس بنبال ** بلا مثل وإن أبصرت فيه ** لكل مغيب حسن مثالا كم أهدى ألطافا وهز بالطرب أعطافا وجعل القلوب أغراضا لسهام محاسنه وأهدافا وجلب الفرح وسلب الترح فأخذ تاء من الثاني وأهدى فا تروق درر أصدافه وتفوق داري أسدافه وكيف لا يهول وكل حرف منه جاء لمعنى وكيف لا يطول وكل لفظ منه قد استقر من البديع بمعنى وكيف لا يعرب والأبصار تلفت إليه بأعنة الإعجاب وتثنى وكيف لا يطرب وما فيه سطر واحد إلا ويسمع منه مثلث ومثنى فما أحسن من نظم وما نثر وما أجود ما جرى في ميدان الإنشاء وما غبر لما عبر وما عثر وما أعف كلامه فإنه لم يلتمس من كلام غيره شيئا وهو يعلم أنه لا قطع في ثمر ولا كثر وما أتقن ما رتب ورتل لما ساق المثل والشاهد والأثر وما كل من ألقى القلائد نظما ** من كل معنى يكاد الميت يفهمه ** حسنا ويعبده القرطاس والقلم وقال المملوك الله أكبر وهي كلمة لا تقال إلا في الصلاة أو الأذان أو عند عجب ماله عن العين حاجب أو عند خبر لا يأخذها إذنا على الآذان أو عند خطب يطرق فيصبح ملتئم الحصى منه وهو شذان وحق لي أن أقول الله أكبر فإن هذا أمر خرق العادة واستعبد السادة واستقرب ما استبعد من مدى المادة وأخرج الأدباء عما سلكوه من الجادة وأحرج الكتاب حتى كلت ظبي أقلامهم الحادة ولقد عالجت ببديعه جراحات الفراق فإنه لها كالمرهم وأنفقت لعجزي أنفة جبل عليها جبلة بن الأيهم وأفلست في جوابي فلو وجدت سطرا مثله يباع كنت كما قال بعض العرب اشتريته بوالله ألف درهم لأنه تلعب بي تلعب الأفعال بالأسماء والبطر بأهل الصحة والنعماء وخلبني سجع هذه الحمامة وسلبني زهر هذه الكمامة وغلبني سكر هذه المدامة ومن حكمت كأسك فيه فاحكم ** له بإقالة عند العثار وقد عولت على الفكر في أن يلم شعث قريحتي ويضم وقلت للقلم هلم إلى المساعدة على الجواب فقال لا أهلم وأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ** مساغا لناباه الشجاع لصمما ولما ثقل على راسي هذا الجبل الراسي ولم يفد فيه إيناسي قبل إبساسي وأفضت بي الحال إلى نسيان ما كنت أعلمه ولا غرو فقد قرأ سعيد بن جبير ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناسي ) وقال أبو الفتح البستي واعذر فأول ناس أول الناس ** رجعت إلى ما عندي من فوائد مولانا أعز الله نوافذ أحكامه وما زينت بزهره من مروج تعليقي وأكمامه فلم أدع بقعة ولا سبسبا إلا أثرت فيه أثرا وأثرت نفعه ولفقت هذا الجواب وهو كما يقال من كل زوق رقعة حتى شملتني سعادتك وحملتني بل جملتني إفادتك ما زال يوقن من يؤمك بالغنى ** وسواك مانع فضله المحتاج وقد أثبت الحصى على المرجان وضاق بي وادي الإنشاء كما اتسع لمولانا من نظمه ونثره المرجان وأما بيت أبي الحسن علي فإنه أحكم تأسيس بنيته ورفع بكم نون قافيته وحرم سكناه على غيركم ولو حرك مولانا نون وريه لعام في بحر فضلكم وما كأن الله تعالى أوجد هذا البيت إلا لهذا البيت وللدلالة على فضل الحي منه والميت وما كل زند يزدهي بسواره ** ولا كل فرق لاق من فوفه تاج وأما قول مولانا وما وما وما أقول وكل دمشق ما فهذه نكتة يأخذ الفاضل حسنها مبرهما والغبي مسلما وأما ما وصفه من حال مصر المحروسة وإقبالها عليه وإدلالها لديه فما يقول المملوك إلا تغايرت الأقطار فيك محبة ** عليك فهذا القطر يحسد ذا القطرا لا بل يقول تغايرت الأقطار فيك فواحد ** لفقدك يبكي إذ لقربك يبسم وكل مكان أنت فيه مبارك ** وفي كل يوم فيه عيد وموسم ولا شك في أن الديار كأهلها ** كما قيل تشقى بالزمان وتنعم وأما ما وصفه من حال الحسدة الباغين والمردة الطاغين فقد رد الله كيدهم في نحرهم وزخر تيار بحر مولانا فأغرق وشل نهرهم ولو علموا ما يعقب البغي قصروا ** ولكنهم لم يفكروا في العواقب ولو لم يكن مولانا في هذا الكمال ما حسد على ما حازه من غنائم المعالي ولا ودت النفوس الظالمة أن تسلبه ما وهبه الله هو أبهى وأبهر من عقود اللآلي ولا تمالئوا على اهتضام قدره وكم هذا التمادي في التمالي إن العرانين تلقاها محسدة ** ولم تجد للئام الناس حسادا فالحمد لله على النصرة وضعف أقوال أهل الكوفة وترجيح أقوال أهل البصرة وما يغلق باب إلا ويفتح دونه من الخيرات أبواب وعلى كل حال أبو نصر أبو نصر وعبد الوهاب عبد الوهاب وما يقول المملوك في مولانا إلا كما قال الأول من بالسنان يصول عند فطامه ** لم يخش آخر بالشنان يقعقع وما بقي غير الخروج من هذا الجواب وثبا وأن نقول لركابه الشريف إذا ورد أهلا وسهلا ورحبا الملك المؤيد هزبر الدين ابن الملك المظفر صاحب اليمن سمع من الحافظ محب الدين الطبري وغيره وحفظ التنبيه واجتمع عنده من نفائس الكتب ما قل اجتماعه عند كثير من الناس توفي في دار ملكه من اليمن في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وكان ملكا حسنا محسنا لرعيته فيه فضيلة وخير الرجل الصالح صاحب المصنفات الكثيرة والنظم الكثير اجتمعت به في منى سنة سبع وأربعين وسبعمائة وتوفي بمكة سنة سبع وستين وسبعمائة في جمادى الأولى منها صاحبنا وحافظ الحرمين الشريفين ومفيد البلدين رحل وطوف الأقاليم وسمع من خلق وخرج له شيخنا الذهبي جزءا قرأته عليه في الروضة الشريفة من المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام مولده سنة ثمان وتسعين وستمائة وتوفي في السادس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وستين وسبعمائة بالمدينة الشريفة ولما حججت سنة سبع وأربعين وسبعمائة اجتمعت به وأنشدته لنفسي إذ ذاك مدحا فيه لله در حافظ ** يحكي الزكي المنذري قد مطرت فوائد ** عليه مثل الدرر فما انتقى إلا الذي ** يحكي نفيس الجوهري وعف عن مكروهها ** فهو العفيف المطري أخبرنا الحافظ العفيف المطري بقراءتي عليه بالروضة الشريفة أخبرنا الرضي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الطبري شيخ الحرم أخبرنا علي بن هبة الله بن الجميزي أخبرنا السلفي أخبرنا القاسم بن الفضل أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أخبرنا محمد بن عمرو بن البختري حدثنا محمد بن عبد حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن أبي العميس عن إياس بن سلمة ابن الأكوع عن أبيه أن النبي أذن في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها بعد +أخرجه مسلم+ عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس به فوقع بدلا عاليا ولد سنة أربع وتسعين وستمائة وجد في طلب الحديث فسمع من القاضي تقي الدين سليمان المقدسي وعيسى المطعم وخلائق وانتقى وخرج وصنف وتفقه على الشيخين كمال الدين الزملكاني وبرهان الدين بن الفركاح وكان حافظا ثبتا ثقة عارفا بأسماء الرجال والعلل والمتون فقيها متكلما أديبا شاعرا ناظما ناثرا متفننا أشعريا صحيح العقيدة سنيا لم يخلف بعده في الحديث مثله درس بدمشق في حلقة صاحب حمص ثم ولي تدريس المدرسة الصلاحية بالقدس فأقام بها إلى أن توفي يصنف ويفيد وينشر العلم ويحيي السنة وكان بينه وبين الحنابلة خصومات كثيرة وصنف كتابا في الأشباه والنظائر وكتابا سماه تنقيح الفهوم في صيغ العموم وكتاب حسنا في المراسيل وكتابا في المدلسين وكتب أخر وشرع في أحكام كبرى عمل منها قطعة نفيسة وفسر آيات متفرقة وجمع مجامع مفيدة أما الحديث فلم يكن في عصره من يدانيه فيه وأما بقية علومه من فقه ونحو وتفسير وكلام فكان في كل واحد منها حسن المشاركة توفي بالقدس في المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة أخبرنا الحافظ أبو سعيد العلائي قراءة عليه وأنا أسمع بالقدس الشريف قال أخبرنا شيخنا سليمان بن حمزة الحاكم قال أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب بن علي القرشي قالت أخبرنا أبو المظفر محمد بن أحمد بن علي العباسي كتابة قال أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي أخبرنا محمد بن عمر بن زنبور الوراق حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا أحمد بن حنبل وجدي وزهير بن حرب وسريج بن يونس وابن المقرئ قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال مر النبي برجل وهو يعظ أخاه في الحياء فقال النبي ( الحياء من الإيمان ) +أخرجه مسلم+ عن زهير بن حرب أبي خيثمة الحافظ ورواه الترمذي عن جد البغوي وهو أبو جعفر أحمد بن منيع الحافظ ورواه ابن ماجة عن ابن المقرئ وهو محمد بن عبد الله بن يزيد فوقع موافقة لهم في شيوخهم الثلاثة مع العلو وأخبرنا الحافظ أبو سعيد أيضا سماعا عليه أخبرنا سليمان بن حمزة وعيسى ابن عبد الرحمن الدلال وعبد الأحد بن أبي القاسم العابد بقراءتي عليهم قالوا أخبرنا عبد الله بن عمر الحريمي والثالث حاضر أخبرنا أبو القاسم سعيد ابن أحمد بن الحسن بن البناء حضورا أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الزينبي أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن زنبور حدثنا أبو بكر عبد الله بن الإمام أبي داود سليمان بن الأشعث الحافظ حدثنا محمد بن بشار ونصر بن علي قالا حدثنا أبو عبد الصمد العمي حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس الأشعري عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله ( جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ) +أخرجه مسلم+ عن نصر بن علي الجهضمي وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة ثلاثتهم عن محمد بن بشار كلاهما عن أبي عبد الصمد به مدرس الطيبة والأسدية بدمشق سمع من ابن البخاري وغيره وتوفي في جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة تفقه على الشيخ محيي الدين النووي ورتب صحيح ابن حيان ودرس بالشامية الجوانية مولده سنة خمس وأربعين وستمائة ومات في شعبان سنة ست وعشرين وسبعمائة قاضي القضاة جمال الدين الزرعي سمع من ابن عبد الدائم والجمال ابن الصيرفي وغيرهما وولي قضاء زرع مدة ثم تنقلت به الأحوال وهو قوي النفس لا يطلب رزقا عفيف اليد في أحكامه إلا أن ناب عن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة بالقاهرة ثم عزل قاضي القضاة بدر الدين فولي هو قضاء القضاة بالديار المصرية ثم أعيد القاضي بدر الدين وبقي القاضي جمال الدين على قضاء العسكر ثم ولي قضاء الشام بعد ابن صصرى ثم عزل بعد عام وبقي شيخ الشيوخ ومدرس الأتابكية توفي بالقاهرة في صفر سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ومولده بسمهود سنة ثمان وخمسين وستمائة وكان فقيها شاعرا ومن شعره لما في كلام العرب تسعة أوجه ** تعجب وصف منكوره وانف واشرط وصلها وزد واستعملت مصدرية ** وجاءت للاستفهام والكف فاضبط توفي بسمهود سنة ست وثلاثين وسبعمائة رحمه الله خطيب داريا كان رجلا صالحا تفقه على الشيخ تاج الدين بن الفركاح والشيخ محي الدين النووي وناب في القضاء عن ابن صصرى وكان يذكر نسبه إلى جعفر الطيار حدث عن ابن أبي اليسر والمقداد القيسي مولده سنة اثنتين وأربعين وستمائة وتوفي في ذي القعدة سنة خمس وعشرين وسبعمائة بدمشق أحد أمراء المشورة الذين يجلسون بحضرة السلطان سمع مسند الشافعي بالكرك على دانيال وعمل نيابة السلطنة بغزة مدة وبنى بها مدرسة الشافعية وجامعا حسنا وعمل نيابة حماة مدة وكان رجلا فاضلا يستحضر كثيرا من نصوص الشافعي وصنف شرح مسند الشافعي جمعه من شروح الرافعي وابن الأثير وشرح مسلم للنووي ونقل عبارة كل واحد بنصها وله عمائر كثيرة خانات ومدارس وغيرها توفي في رمضان سنة خمس وأربعين وسبعمائة بالقاهرة كان في أصله مملوكا يدعى بسنجر فغير اسمه بطلحة قرأ على الشيخ برهان الدين الجعبري وكان يعرف التعجيز ومختصر ابن الحاجب توفي بحلب سنة خمس وعشرين وسبعمائة شارح التنبيه كان معيدا بالمشهد الحسيني بالقاهرة وكان يحضر دروس قاضي القضاة تقي الدين ابن رزين وله شعر كثير منه من أبيات يصف بها شرحه على النبيه وكتب بها إلى الشيخ بهاء الدين بن النحاس النحوي وهو كتاب عييت فيه ** ولم أنل منتهى مرادي جمعت فيه عز المعاني ** من كتب خمسة عداد وعاند الدهر فيه حظي ** والدهر ما زال ذا عناد قلت أنطقه الفال فإني لم أر بهذا الشرح إلا نسخة المصنف التي بخطه إن لم يكن المرزوقي توفي قبل السبعمائة بقليل فبعدها بقليل مفتي العراق جمال الدين بن العاقولي البغدادي مدرس المستنصرية ببغداد مولده سنة ثمان وثلاثين وستمائة ومات في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ببغداد سمع من شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد والحافظ شرف الدين الدمياطي وغيرهما وكانت بينه وبين الوالد صحبة أكيدة وقرأ على الوالد في أصول الفقه ورافقه في القراءة على الباجي وغيره وقد عرض على المذكور قضاء حلب فأبى مولده سنة اثنتين وسبعين وستمائة وتوفي سنة تسع وثلاثين وسبعمائة ومن شعره يا دارهم باللوا حييت من دار ** ولا تعداك صوب العارض الساري ودعت طيب حياتي يوم فرقتهم ** فالطرف في لجة والقلب في نار خطيب دمشق وشيخ دار الحديث الأشرفية ومدرس الشامية البرانية كان رجلا عالما صالحا مهيبا مولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة في المحرم وسمع من أبي القاسم بن رواحة وابن خليل بحلب ومن كريمة والسخاوي بدمشق مات في صفر سنة ثلاث وسبعمائة وحكى لي غير واحد منهم ابن ولي الله الشيخ فتح الدين يحيى وهو ثقة ثبت سيد كبير أن الشيخ زين الدين نزل به بعض أصحابه ضيفا ومعه أهله وابنة له صغيرة فوقعت من رأس شجرة في الدار وأيس منها فلما أخبر بخبرها قال والله لا أرفع رأسي حتى تقوم هذه الصغيرة وسجد فلم يرفع رأسه حتى أخبر باستقلالها في أسرع وقت أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا عبد الله بن مروان الفقيه أنبأتنا كريمة عن مسعود بن الحسن أخبرنا أبو عمرو بن منده أخبرنا إبراهيم بن عبد الله التاجر حدثنا أبو عبد الله المحاملي حدثنا محمد بن عبد الرحيم صاعقة حدثنا روح حدثنا شعبة أخبرني موسى بن أنس سمعت أنس بن مالك يقول قال رجل يا رسول الله من أبي قال ( أبوك فلان ) فنزلت بكسر الجيم ثم آخر الحروف ساكنة ثم لام مضمومة ثم واو الشيخ جمال الدين صاحب البحر الصغير رحمه الله بكسر الهمزة ثم إسكان آخر الحروف ثم جيم مكسورة المطرزي قاضي القضاة عضد الدين الشيرازي يذكر أنه من نسل أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان إماما في المعقولات عارفا بالأصلين والمعاني والبيان والنحو مشاركا في الفقه له في علم الكلام كتاب المواقف وغيرها وفي أصول الفقه شرح مختصر ابن الحاجب وفي المعاني والبيان القواعد الغياثية وكانت له سعادة مفرطة ومال جزيل وإنعام على طلبة العلم وكلمة نافذة مولده بإيج من نواحي شيراز بعد سنة ثمانين وستمائة واشتغل على الشيخ زين الدين الهنكي تلميذ القاضي ناصر الدين البيضاوي وغيره وكان أكثر إقامته أولا بمدينة سلطانية وولي في أيام أبي سعيد قضاء الممالك ثم انتقل بالآخرة إلى إيخ وتوفي مسجونا بقلعة دريميان وهي بكسر الدال المهملة وفتح الراء ثم آخر الحروف ساكنة ثم ميم مكسورة ثم آخر الحروف ثم ألف ونون وإيج بلحف هذه القلعة غضب عليه صاحب كرمان فحبسه بها فاستمر محبوسا إلى أن مات سنة ست وخمسين وسبعمائة رحمه الله تعالى مكاتبة القاضي عضد الدين مع الشيخ فخر الدين الجاربردي كتب القاضي عضد الدين سؤالا صورته يا أدلاء الهدى ومصابيح الدجا حياكم الله وبياكم وألهمنا الحق بتحقيقه وإياكم ها هو من نوركم مقتبس وبضوء أنواركم للهدى ملتبس ممتحن بالقصور لا ممتحن ذو غرور ينشد بأنطق لسان وأرق جنان ألا قل لساكن وادي الحبيب ** هنيئا لكم في جنان الخلود أفيضوا علينا من الماء فيضا ** فنحن عطاش وأنتم ورود قد استبهم قول صاحب الكشاف أفيضت عليه سجال الألطاف {مِّن مِّثْلِهِ} متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله والضمير لما نزلنا أو لعبدنا ويجوز أن يتعلق بقوله {فأتوا} والضمير للعبد حيث جوز في الوجه الأول كون الضمير لما نزلنا تصريحا وحظره في الوجه الثاني تلويحا فليت شعري ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة وهل ثم حكمة خفية أو نكتة معنوية أو هو تحكم بحت بل هذا مستبعد من مثله فإن رأيتم كشف الريبة وإماطة الشبهة والإنعام بالجواب أثبتم أجزل الثواب إن شاء الله تعالى فكتب في الجواب العلامة الشيخ فخر الدين أحمد الجاربردي رحمه الله تمني الشعور متعلقا بالاستعلام لما وقع بالدخيل مع الأصيل الأدخل في الاستبهام أشعر بأن المتمني يحقق ثبوت شيء ما منها أو الانتفاء رأسا ولا يستراب أن انتفاء الفائدة اللفظية والعائدة المعنوية يجعل التخصيص تحكما فإن رفع الإبهام ينصب البعض للكثير الباقي خبر ما وضحه بفتح جزء المعنى فما مغزى التخصيص على البيان فاضرب عن الكشف صفحا مجانبا الاستدراك كما في الاستكشاف وإن ريم ما يعني بالتحقيق فيه والأخص في الاستعمال فزيغ الداله لا زلة خبير كعثرة عثارها للأدخل بمنزلة في أنزلنا أولا بشهادة الدعدعة لعثوره عليها في نزلنا ثانيا والتبيين جنس التعيين فإنها من بنات خلعت عليهن الثياب ثم دفنتهن وحثوت عليهن التراب فبح باسم من تهوى وذرني من الكنى ** فلا خير في اللذات من دونها ستر إني امرؤ أسم القصائد للعدى ** إن القصائد شرها أغفالها والحمد لله رب العالمين على سيدنا محمد وآله كتبه الجاربردي ابن الحسن أحمد حامدا ثم كتب المولى العلامة عضد الدين رحمه الله جواب هذا الجواب أعوذ بالله من الخطأ والخطل وأستعفيه من العثار والزلل الكلام على هذا الجواب من وجوه الأول أنه كلام تمجه الأسماع وتنفر عنه الطباع ككلمات المبرسم غير منظوم وكهذيان المحموم ليس له مفهوم كم عرض على ذي طبع سليم وذي ذهن مستقيم فلم يفهم معناه ولم يعلم مؤداه وكفى وكيلا بيني وبينك كل من له حظ من العربية وذكاء ما مع الممارسة لشطر من الفنون الأدبية الثاني أنه أجمل الاستفهام لشدة الإبهام ففسره بما لا يدل عليه بمطابقة ولا بتضمن ولا بالتزام وحاصله أن ثبوت أحد الأمرين هاهنا متحقق وأن التردد في التعيين فحقيق أن يسأل عنه بالهمزة مع أم دون هل مع أو فإنه سؤال عن أصل الثبوت الثالث أنه لا نسلم تحقق أحد الأمرين لجواز أن لا يكون لحكمة خفية ولا نكتة معنوية بل لأمر بين في نفسه على السائل أو لشبهة قد تخيلت للحاكم وتضمحل بتأمل ما فلا يكون تحكما بحتا وإن سلمنا الحصر فلم لا يجوز أن يتجاهل السائل تأدبا واعترافا بالتقصير وتجنبا للتيه والغرور الرابع أن أو هذه هي الإضرابية أفهذا باعك في الأوجه الإعرابية فأين أنت من قولهم لا تأمر زيدا فيعصيك أو تحسبه غلامك وأقل خدامك أو لا تدري من أمامك أبعيد ما آذيت نفسك ليلا ونهارا في شعب من العربية مذ نيطت بك العمائم إلى أن اشتعل الرأس شيبا يخفى عليك هذا الجلي الظاهر الذي هو مسطور في الجمل لعبد القاهر الخامس هب هذا خطأ صريحا لا يمكن أن تحمل له محملا صحيحا أليس المقصود هنا كالصبح يتبلج أو كالنار في حندس الظلم على رأس العلم تتأجج فما كان لو اشتغلت بعد ما يعنيك عن الجواب ويطبق مفصل الصواب عما لا يعنيك من التخطئة في السؤال السادس قد أوجب الشرع رد التحية والسلام وندب إلى التلطف في الكلام فمن زوى عنه فقد اقترف الإثم وأساء الأدب وتجنب الأمم وأشعر بأن ليس له من الخلق خلاق ولم يرزق متابعة من بعث لتتميم مكارم الأخلاق السابع أنه أعرض صفحا عن الجواب وزعم أنه من بنات خلع عليهن الثياب ثم حثى عليهن التراب فإن كان هذا فلا ريب في أنها تكون ميتة أو بالية ومع هذا فمصداق كلامه أن ينبش عنها أو أن يأتي بمثلها فنرى ماهية الثامن أن السؤال لم يخص به مخاطب دون مخاطب بل أورد على وجه التعميم والإجمال مرعيا فيه طريق التعظيم والإجلال موجها إلى من وجه إليه ويقال تصدق أنت من أدلاء الهدى ومصابيح الدجا فأنى رأى نفسه أهلا لهذا الخطاب متعينا للجواب وهلا رده عن نفسه معرفة بقدره وعلما بغوره ومحافظة على طوره إلى من هو أجل منه قدرا وأنور بدرا في هذه البلدة من زعماء التحرير وفحولة العلماء النحارير الذين لا يفوتهم سابق ولا يشق غبارهم لاحق وإن كان لا يرى فوقه أحدا فإنه للعمه والعمى والحماقة العظمى وما لداء القول دواء وليس لمرض الجهل المركب من شفاء التاسع البليغ من عدت هفواته والجواد من حصرت عثراته أما من لا يأمن مع الدعدعة سوء العثار ويحتاج إلى من يقود عصاه في ضوء النهار فإذا سابق العتق الجياد وناضل عند الرهن ذوي الأيدي الشداد فقد جعل نفسه سخرة للساخرين وضحكة للضاحكين ودريئة للطاعنين وغرضا لسهام الراشقين العاشر أظنك قد غرك رهط قد احتفوا من حولك وألقوا السمع إلى قولك يصدقونك في كل هذر ويصوبونك في كل ما تأتي وما تذر ولم تمر بقريع الأبطال اللهاميم ولم تدفع إلى مماسك يعركك عرك الأديم فظننت بنفسك الظنون ورسخ في دماغك هذا الفن من الجنون ولم ترزق أديبا ولا ناصحا لبيبا فما كل ذي لب بمؤتيك نصحه ** ولا كل مؤت نصحه بلبيب فها أنا أقول لك قول الحق الذي يأتي في غيرة نفس أبية ولا يصرفني عنه هوى ولا عصبية فاقبل النصيحة واتق الفضيحة ولا ترجع بعد هذا إلى مثل هذا فإنه عار في الأعقاب ونار يوم الحساب هدانا الله وإياك سبيل الرشاد
لما قال جار الله العلامة من مثله متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله والضمير لما نزلنا أو لعبدنا ويجوز أن يتعلق بقوله فأتوا والضمير للعبد أوهم قوله إن الضمير إذا كان لما نزلنا كان الكلام مشعرا بثبوت مثل له حتى تأتوا بسورة من جملة ذلك المثل فاحترز عن ذلك بما معناه أن من بيانية لا تبعيضية والمراد بالمثل ما هو على صفته من جنس النظم أي بسورة من جنس كلام هو على صفته من غير قصد إلى مثل له كما ذكر يعني بسورة هي كلام موصوف بصفته كقولك عندي مال من الماشية أي مال هو الماشية فعلى هذا إذا علق من مثله بفأتوا كان المعنى على تقدير عود الضمير إلى المنزل فأتوا من جنس كلام موصوف بصفته بسورة فيكون من مثله إما حالا من السورة مبينة لهيأتها بأنها مثل هذا المنزل والحال من المعمول يقيد عامله وإما صلة للإتيان وكيف كان يقيد الفعل فيكون الإتيان المأمور إتيانا مقيدا بأنه كائن من كلام مثله بسورة فإن كان المراد به السورة كما قررنا كان المعنى فأتوا إتيانا مقيدا بكونه من سورة مثله بسورة وذلك فاسد لا شك فيه وإن كان المراد فأتوا من جملة كلام يماثله بسورة واحدة فإن كان ذلك المثل موجودا لزم المحذور وهو ثبوت المثل وكذا إن كان المراد إتيانا مستندا من كلام مثله بسورة وإن لم يكن موجودا كان الفعل المقيد بابتدائه منه ممتنعا فإن الممكن المقيد وجوده بوجود المعدوم ممتنع الوجود وذلك ينافي التحدي لأن التحدي إنما يكون إذا كان أصل الفعل ممكنا مقدورا للنوع مطلقا لكنه أخص بشيء من زيادة أو تعلق بمفعول لا يسع أحدا من بني نوع الفاعل مثل ذلك الفعل المختص بتلك الزيادة أو بذلك الفعل فيدل على أن ذلك الاختصاص إنما هو لمزية وتأييد من عند الله تعالى لصاحبه وهاهنا أصل الفعل ليس بممكن وإن جعل الأصل مطلق الإتيان والمعجزة الإتيان المقيد كان المتحدى به هو الفعل لا المفعول والمقدر خلافه فإنه إتيان مقيد بوجود معدوم لا نفس الإتيان فتبين أن كون الضمير عائدا إلى المنزل على تقدير تعلق من مثله بفأتوا لا يخلو عن أقسام كلها باطلة سواء كان من ابتدائية أو تبعيضية أو بيانية والله أعلم
إن قيل ما وجه تخصيص الضمير بالعبد على تقدير تعلق من مثله بفأتوا مع تجويز كونه له وللمنزل على تقدير تعلقه بالسورة قلت الجواب يقتضي تقديم مقدمتين الأولى أن مثله يحتمل وجهين الأول أن يكون المراد من مثل الكلام المنزل والعبد المذكور نفس ذلك الكلام وذلك من العبد فيكون معنى المثل ملغى كما في مثل قول الشاعر حاشا لمثلك أن تكون بخيلة ** ولمثل وجهك أن يكون عبوسا وفي بحث تقدير المثل في السورة يستقيم المعنى وإلا لزمك كون المتحدي بإتيان سورة كائنة من القرآن أو صادرة من النبي وهو محال الثاني أن يكون معنى المثل بحاله ويكون المراد منه كلاما آخر مثل القرآن أو شخصا آخر مثل النبي وهو ظاهر المقدمة الثانية أن الأقسام على ما ذكره صاحب الكشاف أربعة الأول من مثله إما يتعلق بسورة أو بالإتيان وعلى التقديرين الضمير إما أن يكون للعبد أو للمنزل وهذه أربعة وإذا تقرر ذلك فنقول القسم الأول صحيح على الوجهين لأنه التقدير فيه فأتوا بمثل سورة صادرة من مثل النبي وهما مستقيمان والثاني صحيح على الأول دون الثاني وإلا لم يكن التحدي بإتيان السورة فقط بل يشترط أن يكون بعضا من كلام مثل القرآن وهو باطل والثالث صحيح على الثاني دون الأول لأن تقديره فيه فأتوا من هذا العبد بمثل سورة وهو لغو فيكون القسم الرابع فاسدا على الوجهين
جعل {مِثْلِهِ} صفة لسورة فإن كان الضمير للمنزل فمن للبيان وإن كان للعبد فمن للابتداء وهو ظاهر فعلى هذا إن تعلق {مِّن مِّثْلِهِ} بقوله {فَأْتُواْ} فلا يكون الضمير للمنزل لأنه يستعدي كونه للبيان والبيان يستدعي تقديم مبهم فإذا تعلق بالفعل فلا يتقدم مبهم فتعين أن تكون للابتداء لفظا أو تقديرا أي أصدروا أو أنشئوا أو استخرجوا من مثل العبد سورة لأن مدار الاستخراج هو العبد لا غير فتعين في الوجه الثاني عود الضمير إلى العبد والله أعلم بالصواب
قوله ويجوز أن يتعلق بقوله {فَأْتُواْ} والضمير للعبد لأنه إذا كان ظرفا مستقرا على أنه صفة سورة بمعنى سورة كائنة من مثله لم يتعين الضمير للعبد بل كما احتمل العود إلى العبد احتمل العود إلى المنزل أما إذا كان ظرفا لغوا متعلقا بقوله {فَأْتُواْ} لم يحتمل العود إلا إلى العبد لأنك لما علقته به فقد جعلته مبتدأ الإتيان بالسورة ومنشأها فيكون هو المنشئ لها والآتي بها والمصدر أو المملي حتى يتحقق الابتداء منه حقيقة كما إذا قلت ائتني بشعر من فلان كان هو المملي والمنشئ على ما لا يخفى ولو رجعت الضمير على هذا إلى المنزل أحلت وأما نحو قولك ائتني بماء من دجلة وثمر من بستانك وآية من القرآن وبيت من الحماسة فليس منه على أن في الحمل عليه فسادا لأنه يفيد ثبوت المثل للقرآن أو يوهم والغرض نفي المثل على ما قال ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك قال وفي ثبوت التحدي لأن المعنى فأتوا من مثل القرآن أي من كلام مثل القرآن في الأسلوب والفصاحة بخلاف ما إذا علقته بالسورة لأن حقيقة المعنى على إقحام كلمة من فكأنه قيل بسورة مماثلة نظما وأسلوبا فلا يلزم فيه ما يلزم في الأول وهذا كما إذا قلت ائتني بدرهم كائن من مثل هذه الدراهم المضروبة كان المعنى أن تأتي بما ينطبع على وجهها ويتكون من مثلها مطلقا لا أن تأتي من مثلها الموجود والله أعلم بالصواب
أعلى الله درجته في عليين مع النبيين والصديقين قوله تعالى ثم قال والضمير لما نزلنا أو لعبدنا والأحسن عندي أن يتعلق بعبدنا وإن علق بما نزلنا فيكون بالنظر إلى خصوصيته فيشمل صفة المنزل في نفسه والمنزل عليه وإنما قلت ذلك لأن الله تعالى تحدى بالقرآن في أربع سور في ثلاث منها بصفته في نفسه فقال تعالى وقال تعالى وقال تعالى وفي سورة البقرة لما قال وذلك أن الإعجاز من جهتين إحداهما من فصاحة القرآن وبلاغته وبلوغه مبلغا تقصر قوى الخلق عنه وهو المقصود في السور الثلاث المتقدمة المتحدى به فيها والثانية من إتيانه من النبي الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب وهو المتحدى به في هذه السورة ولا يمتنع إرادة المجموع كما قدمناه فإن أراد الزمخشري بعود الضمير على ما نزلنا المجموع بالطريق التي أشرنا إليها فصحيح وحينئذ يكون ردد بين ذلك وعود الضمير على الثاني فقط وإن لم يرد ذلك فما قلناه أرجح ويعضده أنه أقرب وعود الضمير على الأقرب أوجب ويعضده أيضا أنهم قد تحدوا قبل ذلك وظهر عجزهم عن الإتيان بسورة مثل القرآن لأن سورة يونس مكية فإذا عجزوا عنه من كل أحد فهم عن الإتيان بمثله ممن لم يقرأ ولم يكتب أشد عجزا فالأحسن أن يجعل الضمير لقوله {عَبْدِنَا} فقط وهذان النوعان من التحدي يشتملان على أربعة أقسام لأن التحدي بالقرآن أو ببعضه بالنسبة إلى من يقرأ ويكتب وإلى من ليس كذلك والتحدي بالنبي بالنسبة إلى مثل المنزل وإلى أي سورة كانت فإن من لم يكتب لا يأتي بها فصار الإتيان بسورة من مثل النبي ممتنعا شابهت القرآن أم لم تشابهه والإتيان بسورة من مثل القرآن ممتنعا كانت من كاتب قارئ أم من غيره فظهر أنها أربعة أقسام ثم قال الزمخشري رحمه الله ويجوز أن يتعلق بقوله {فَأْتُواْ} والضمير للعبد وهذا صحيح وتكون {مِن} لابتداء الغاية ولم يذكر الزمخشري على هذا الوجه احتمال عود الضمير على {مَا نَزَّلْنَا} ولعل ذلك لأن السورة المتحدى بها إذا لم يوجد معها المنزل عليه لا بد أن يخصص بمثل المنزل كما في سورة يونس وهود فإذا علقنا الصلة هنا في سورة البقرة بقوله {فَأْتُواْ} وعلقنا الضمير بالمنزل كانوا قد تحدوا بأن يأتوا بسورة مطلقة ليست موصوفة ولا من شخص مخصوص فليست على نوع من نوعي التحدي فإن قلت "من" على هذا التقدير للتبعيض فتكون السورة بعض مثله يقتضى مماثلتها قلت المأمور به السورة المطلقة ومن يحتمل أن تكون لابتداء الغاية وإن سلم أنها للتبغيض فالمماثلة إنما يعلم حصولها للسورة بالاستلزام فلم يتحدوا ولم يؤمروا إلا بها من حيث هي مطلقة لا من حيث ما اقتضاه الاستلزام من المماثلة فإن المماثلة بالمطابقة في الكل المبعض لا في البعض فإن لزم حصولها في البعض فليس من اللفظ وبهذا يعرف الجواب عن قول من قال ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا و فأتوا من مثل ما نزلنا بسورة فنقول الفرق بينهما ما ذكرناه فإن المأمور به في الأول سورة مخصوصة وفي الثاني سورة مطلقة من حيث الوضع وإن كانت بعضا من شيء مخصوص والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وبه أستعين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين و على خاتم النبيين وإمام المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين أما بعد فيقول الفقير إلى الله تعالى إبراهيم الجاربردي بينما كنت أقرأ كتاب الكشاف في سنة ستين وسبعمائة بين يدي من هو أفضل الزمان لا بالدعاوي بل باتفاق أهل العلم والعرفان أعني من خصه الله تعالى بأوفر حظ من العلاء والإحسان مولانا وسيدنا وسندنا الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام والمسلمين الداعي إلى رب العالمين قامع المبتدعين وسيف المناظرين إمام المحدثين حجة الله على أهل زمانه والقائم بنصرة دينه في سره وإعلانه بقلمه ولسانه خاتمة المجتهدين بركة المؤمنين أستاذ الأستاذين قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب السبكي لا زالت رباع الشرع معمورة بوجوده ورياض الفضل مغمورة بجوده ويرحم الله عبدا قال آمين إذ وصلت إلى قوله تعالى فأخذته منه رجاء أن أطلع على بدائع من رموزه وودائع من كنوزه فوجدته قد فطم عن ارتضاع أخلاف التحقيق وحرم عن الاغتراف من بحر التدقيق جعل الإيراد عنادا والمنع ردا والرد صدا والسؤال نضالا والجواب غيابا ركب عميا وخبط خبط عشوا وقال ما هو تقول وافترا وكلام والدي منه برا كأنه طبع على اللغا أو جبل طينه من المرا فمزج الشهد بالسم وأكل الشعير وذم فأضحت حركة الهمة في استيفاء القصاص فكتبت هذه الرسالة المسماه بالسيف الصارم في قطع العضد الظالم ولأجازيه عن حسناته العشر بأمثالها قال الله تعالى قال الشاعر جراحات السنان لها التئام ** ولا يلتام ما جرح اللسان وقال آخر وبعض الحلم عند الجهل ** للذلة إذعان وفي الشر نجاة حين ** لا ينجيك إحسان وقال آخر لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم ** وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا وأسأل الله تعالى التوفيق وبيده أزمة التحقيق أقول أيها السائل رحمك الله أما قولك في الجواب إنه كلام تمجه الأسماع وتنفر عنه الطباع إلى آخره فنقول بموجبه لكن بالنسبة إلى من كانت حاسته غير سليمة أو سد عن الإصاغة إلى الحق سمعه وأبى أن ينطق بالحق لسانه وهذا قريب مما حكى الله سبحانه وتعالى عن الكفار المعاندين وقولك كم عرض على ذي طبع سليم وذي ذهن مستقيم فلم يفهم معناه ولم يعلم مؤداه نقول هذا كلام متهافت إذ لو كانوا ذا طبع سليم وذهن مستقيم لفهموا معناه وتفطنوا لموجبه ومتقضاه فإن ذا الطبع السليم من يدرك اللمحة وإن لطف شأنها ويتنبه على الرمزة وإن خفي مكانها ويكون مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها ولكنهم كانوا مثلك كزا جاسيا وغليظا جافيا غير دارين بأساليب النظم والنثر غير عالمين كيف يرتب الكلام ويؤلف وكيف ينظم ويرصف علي فحص المعاني من مكامنها ** وما علي إذا لم تفهم البقر أو نقول فرضنا أنهم كما زعمت ذا فهم سليم وطبع مستقيم لكنهم ما اشتغلوا بالعلوم حق الاشتغال فأين هم من فهم هذا المقال أما سمعوا قول من قال لو كان هذا العلم يدرك بالمنى ** ما كان يبقى في البرية جاهل وقول آخر لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا ومع أن أمثال هذه الغوامض كما نبه عليه الزمخشري لا يكشف عنها من الخاصة إلا أوحدهم وأخصهم وإلا واسطتهم وفصهم وعامتهم عماة عن إدراك حقائقها بأحداقهم عناة في يد التقليد لا يمن عليهم بجز نواصيهم وإطلاقهم هذا مع أن مقامات الكلام متفاوتة فإن مقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة وخطاب الذكي يباين خطاب الغبي فكما يجب على البليغ في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع فكذلك الواجب عليه في خطاب الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز أنشد الجاحظ يرمون بالخطب الطوال وتارة ** وحي الملاحظ خيف الرقباء وأئمة صناعة البلاغة يرون سلوك هذا الأسلوب في أمثال هذه المقامات من كمال البلاغة وإصابة المحز فنقول إنما أوجز الكلام وأوهم المرام اختبارا لتنبيهك أو مقدار تنبهك أو نقول عدل عن التصريح احترازا عن نسبة الخطأ إليك صريحا والعدول عن التصريح باب من البلاغة يصار إليه كثيرا وإن أورث تطويلا ومن الشواهد لما نحن فيه شهادة غير مردودة رواية صاحب المفتاح عن القاضي شريح أن رجلا أقر عنده بشيء ثم رجع ينكر فقال له شريح شهد عليك ابن أخت خالتك آثر شريح التطويل ليعدل عن التصريح بنسبة الحماقة إلى المنكر لكون الإنكار بعد الإقرار إدخالا للعنق في ربقة الكذب لا محالة وأما قولك ثانيا فسره بما لا يدل عليه بمطابقة ولا بتضمن ولا بالتزام ثم تقول حاصله كذا فنفيت أولا الدلالات ثم أثبت ثانيا له معنى وذكرته فأنت كاذب إما في الأول أو الثاني وأيضا قد قلت أولا بأنه كهذيان المحموم ليس له مفهوم ثم قلت حاصله كذا فقد أدخلت عنقك في ربقة الكذب اتقي الله فإن الكذب صغيرة والإصرار عليها كبيرة والمعاصي تجر إلى الكفر قال الله تعالى ثم إن قولك حاصله أن ثبوت أحد الأمرين هاهنا متحقق وأن التردد في التعيين فحقيق أن يسأل عنه بالهمزة مع أم دون هل مع أو فإنه سؤال عن أصل الثبوت يوهم أنك الذي استنبطت هذا المعنى من كلامه وفهمته منه وليس كذلك بل لما بلغك هذا الجواب بقيت حائرا مليا لا تفهم مؤداه ولا تعلم معناه وكنت تعرضه على نمن زعمت أنهم كانوا ذا طبع سليم وفهم مستقيم فما فهموا معناه وما عثروا على مؤداه فصرت ضحكة للضاحكين وسخرة للساخرين فلما حال الحول وانتشر القول جاء ذاك الإمام الألمعي أعني الشيخ أمين الدين حاجي دادا وتمثل بين يدي والدي وقال كما قلت أفيضوا علينا من الماء فيضا ** فنحن عطاش وأنتم ورود فقرأه عليه قراءة تحقيق وإتقان وتدقيق فلما كشف الوالد له الغطاء ظهر له أن كلامك كان فإن كابرت وجعلتني من المدعين فقل فأت بآية إن كنت من العارفين فأقول أما بالنسبة إلى الآخرة فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم وأما بالنسبة إلى الدنيا ففضلاء تبريز فإنهم عالمون بالحال عارفون بأن الأمر على هذا المنوال ولهذا ما وسعك أن تكتب هذه الهذيانات وأنت في تبريز مخافة أن تصير هزأة للساخرين وضحكة للناظرين بل لما انتقلت إلى أهل بلد لا يدرون ما الصحيح تكلمت بكل قبيح لكن وقعت فيما خفت منه وأما قولك ثالثا لا نسلم تحقق أحد الأمرين حقيقة إلى آخر ما قلتم فكله مخالف للظاهر والأصل عدمه وتحقيق الجواب فيه يظهر مما أذكره في آخر الجواب الرابع وأما قولك رابعا إن أو هذه هي الإضرابية أفهذا باعك في الأوجه الإعرابية فنقول أولا لا شك أنك عند تسطير هذا السؤال ما خطر لك هذا بالبال بل لما اعترض عليك تمحلت هذا المقال وثانيا المثال الذي ذكرته غير مطابق لكلامك لو فرضنا أنه من كلام الفصحاء وثالثا أنه لا يستقيم أن تكون أو في كلامك للإضراب لفوات شرطه فإن إمام هذا الفن سيبويه إنما أجاز أو الإضرابية بشرطين أحدهما تقدم نفي أو نهي والثاني إعادة العامل نحو ما قام زيد أو ما قام عمرو ولا يقم زيد أو لا يقم عمرو نقله عنه ابن عصفور هكذا مذكور في مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب ثم قال مصنفه ابن هشام المصري رحمه الله ومما يؤيد نقل ابن عصفور أن سيبويه رحمه الله قال في انتهى فلا يمكن حمل أو في كلامك على الإضراب فظهر من التقصير باعه في علم الإعراب أمثلك يعرض بهذا لمن كان أدنى تلامذته فارسا في علم الإعراب مقدما في جملة الكتاب لكن نحوك انحصر في الجمل الذي صنف لصبيان الكتاب وحرمت من الكنوز التي أودعها سيبويه في الكتاب ثم على تقدير تسليم إتيان أو للإضراب مطلقا كما ذهب إليه بعضهم لا يندفع الإيراد لأن من شرط ارتفاع شأن الكلام في باب البلاغة صدوره من بليغ عالم بجهات البلاغة بصير يطرق حسن الكلام وأن يكون السامع معتقدا أن المتكلم قصد هذا في تركيبه عن علم منه لا أنه وقع منه اتفاقا بلا شعور منه فإنه إذا أساء السامع اعتقاده بالمتكلم ربما نسبه في تركيبه ذلك إلى الخطأ وأنزل كلامه منزلة ما يليق به من الدرجة النازلة ومما يشهد لك ما نقل صاحب المفتاح عن علي رضي الله عنه أنه كان يشيع جنازة فقال له قائل من المتوفي بلفظ اسم الفاعل سائلا عن المتوفى فلم يقل فلان بل قال الله تعالى ردا لكلامه عليه مخطئا إياه منبها له بذلك على أنه كان يجب أن يقول من المتوفى بلفظ المفعول ويقال إن هذا الواقع كان أحد الأسباب التي دعته إلى استخراج علم النحو فأمر أبا الأسود الدؤلي بذلك فأخذ فيه فهو أول أئمة علم النحو رضي الله عنهم أجمعين ولا شك أنه يقال توفى على البناء للفاعل أي أخذ وحينئذ يكون كناية عن مات بمعنى أن الميت أخذ بالتمام مدة عمره فمات فالمتوفي هو الميت بطريق الكناية ويقال توفي على البناء للمفعول أي أخذ روحه وحينئذ يكون الميت هو المتوفى حقيقة والمتوفي هو الله ولما سأل من هو من الأوساط من علي كرم الله وجهه عن الميت بلفظ المتوفي الذي هو من تركيب البلغاء أجابه بما يليق به أن المتوفي هو الله تعالى وفيه بيان أنه يجب أن يقول من المتوفى بلفظ اسم المفعول الذي يليق به كما يقوله الأوساط لأنه لا يخشى الكناية وإذا سمعت ما تلونا عليك وتأملت المقصود من إيرادنا هذا الكلام عليك يتنفس الجواب عن الثالث والرابع في ذهنك النفس الجلي وأما قولك خامسا هب هذا خطأ صريحا أليس المقصود هنا كالصبح فما كان لو اشتغلت بالجواب فنقول الجواب عنه من وجهين أحدهما أن الأئمة قد صرحوا بأنه لا يكتب على الفتوى إلا بعد تصحيح السؤال والثاني أنه يحتمل أن يكون قد أحسن الظن في حقك بأن مثل هذا لا يخفى عليك ومع ذلك يكون قد خطر له أنك قد فعلت هذا امتحانا هل يتفطن أحد لتركيبك أم لا فعلى هذا كيف يتعدى عن التنبيه إلى المقصود وأما قولك سادسا قد أوجب الشرع رد التحية والسلام فالجواب عنه أيضا من وجهين أحدهما أن الواجب هو الرد لا الكتابة فيحتمل أن يكون قد رد بلسانه وما كتب وما أعرف أحدا من الأصحاب قال بوجوب الكتابة أو ما سمعت ما أجاب الفضلاء عن المزني حيث قيل إنه لم يكتب أول المختصر بسم الله الرحمن الرحيم والثاني أنك زعمت في الوجه الثامن أنك ما خصصته بالسؤال بل أوردته على وجه التعميم والإجمال فنقول حينئذ لا يجب عليه بعينه رد السلام بل على واحد لا بعينه لكن أعذرك في مسألة رد التحية لأنك في الفقه ما وصلت إلى باب الطهارة فكيف بمسائل تذكر في أواخر الفقه وأما قولك سابعا زعم أنه من بنات خلع عليهن الثياب فالجواب عنه أن الزعم قول يكون مظنة للكذب وما ذكره من الحق الأبلج ومن ظن خلاف ذلك فقد وقع في الباطل اللجلج لأن مراده ببنات خلع عليهن الثياب نتائج فكره التي انتشرت في البلاد كشرح المنهاج والمصباح وشرح التصريف والنكات وحواشي شرح المفصل والمفصل والمفتاح وحواشي المصابيح وشرح السنة وحواشي الكشال وحواشي الطوالع والمطالع وشرح الإشارات وغير ذلك مما يطول ذكره وقولك فلا ريب في أنها تكون ميتة أو بالية دال على جهلك لأن قول العالم لا يموت ولو مات العالم ولهذا يحتج به أما قال بعضهم العلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة قولك مصداق كلامه أن ينبش عنها فنرى ماهيه قلت الحذر الحذر فإنها نار حامية وقولك أو يأتي بمثلها فنرى ماهيه قلت نعم لكن بشرط أن تنزع من صماخيك صمام الصمم حتى أفرغ فيها شيئا من مباحث الحكم فأقول وبالله التوفيق فما ذكره والدي في الفرق أن صاحب الكشاف إنما حكم بأن قوله {مِّن مِّثْلِهِ} إذا كان صفة سورة يجوز أن يعود الضمير إلى {مَا} وإلى {عَبْدِنَا} وإذا كان متعلقا بفأتوا تعين أن يكون الضمير للعبد لأنه إذا كان صفة فإن عاد الضمير إلى {مَا} تكون {مِن} زائدة كما هو مذهب الأخفش في زيادة من إذ المعنى حينئذ فأتوا بسورة من مثل القرآن في حسن النظم واستقامة المعنى وفخامة الألفاظ وجزالة التركيب وليس النظر إلى أن يكون مثل بعض القرآن أو كله بل لا وجه لهذا الاعتبار يؤيده قوله تعالى في موضع آخر وإن عاد الضمير إلى {عَبْدِنَا} تكون من ابتدائية وهو ظاهر وأما إذا كان {مِّن مِّثْلِهِ} متعلقا بفأتوا فلا يجوز أن تكون من زائدة لأن حرف الجر إذا كان زائدا لا يكون متعلقا بشيء فتعين أن يكون المعنى فأتوا بسورة من مثل عبدنا وتكون من ابتدائية ثم قال أو نقول إنما قال صاحب الكشاف إن {مِّن مِّثْلِهِ} إن كان صفة سورة يحتمل عود الضمير إلى {مَا} وإلى {عَبْدِنَا} لصحة أن يقال سورة كائنة من مثل ما نزلنا بأن تكون السورة بعض مثل ما نزل أو يكون مثل ما نزل مبتدأ نزوله ولصحة أن يقال سورة كائنة من مثل عبدنا بأن يكون قد قاله ويكون تركيبه وكلامه وأما إن كان {مِّن مِّثْلِهِ} متعلقا بفأتوا فيتعين أن يكون عائدا إلى {عَبْدِنَا} لاستقامة أن يقال فأتوا من مثل عبدنا أي من عبد مثله بأن يكون كلامه ولا يستقيم أن يقال فأتوا من عبد مثل ما نزلنا أي من جهته إذ لا يستقيم أن يقال أتى هذا الكلام من فلان إلا إذا كان ذلك الفلان ممن يمكن أن يكون هذا كلامه ويكون هذا الكلام منقولا منه مرويا عنه وهذا ظاهر ولهذا ما بسط الزمخشري الكلام فيه بل اقتصر على ذكره والله أعلم وأما قولك ثامنا إن السؤال لم يخص به مخاطب دون مخاطب فهذا كلام المجانين لأنك بعثت هذا السؤال على يد الشيخ علاء الدين الباوردي إلى خدمته وطلبت منه الجواب لكن لما اشتبه عليك القول أخذت تبدي النزق والعول فتارة تمنع وتخاله صوابا وأخرى ترد وتظنه جوابا أما تستحيي من الفضلاء الذين كانوا مطلعين على هذا الحال ولقد صدق رسول الله حيث قال ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ) ثم إن الذي يقضى منه العجب حالك في قلة الإنصاف وفرط الجور والاعتساف وذلك أن هذا ما هو أول سؤال سألته عنه بل ما زلت منذ توليت القضاء كلا عليه حيث سرت غير منفك من اقتباس الأحكام من فتاويه أينما توجهت تسأله في الأحكام الشرعية عن النقير والقطمير ثم في تضاعيف ذلك لما سألته عن آية من التفسير ونبهك على تصحيح التقرير جاشت منك الحمية فشرعت تجحد فضله وتنكر سبقه هيهات هيهات اتسع الخرق على الراقع ** وقولك راعيت فيه طريق التعظيم والإجلال نعم هذا كان الواجب عليك لأنك أنت السائل والسائل كالمتعلم والمسئول كالمعلم فالواجب عليك تعظيمه وعليه أن يرشدك وقد فعل بأن هداك إلى تصحيح السؤال وقولك فأنى رأى نفسه أهلا لهذا الخطاب قلت من فضل الله العظيم أن جعله أستاذ العلماء في زمانه أراك على شفا خطر مهول ** بما أودعت رأسك من فضول طلبت على تقدمنا دليلا ** متى احتاج النهار إلى دليل وقولك فهل لا رده عن نفسه إلى من هو أجل منه قدرا وأنور منه بدرا فالجواب عنه من وجهين الأول أنك بعثت إليه وسألته عنه فصار كفرض العين بالنسبة إليه فلذا قال ما حاصله أن السؤال يحتاج إلى التصحيح بالنظر الدقيق ليصير مستحقا للجواب من أهل التحقيق والثاني قل لي من كان في البين في ذلك الزمان ممن يماثله أو يدانيه وقولك في هذه البلدة من زعماء التحرير وعلماء النحارير فمسلم لكن كلهم أو أكثرهم تلامذته أو من تلامذة تلامذته وهذا مما لا ينكره غير جاهل مارد أو حاسد معاند أو ما كانوا يهذبون إلى درر فوائده من كل فج عميق ويتزاحمون على اجتلاب درر مباحثه فريقا بعد فريق وما أحسن قول من قال وجحود من جحد الصباح إذا بدا ** من بعد ما انتشرت له الأضواء ما دل أن الشمس ليس بطالع ** بل أن عينا أنكرت عمياء وأما قولك تاسعا البليغ من عدت هفواته والجواد من حصرت عثراته إلى آخر ما هذيت فالجواب عنه حاشا أن يكون من البلغاء الذين تكون هفواتهم معدودة أو من الجواد الذي تكون عثراته محصورة فإنك قد عثرت في هذا السؤال والجواب تعثيرا كثيرا كما ترى ولولا دعدعتنا لك لبقيت عاثرا أبدا وقد قيل لحى الله قوما لم يقولوا لعاثر ** ولا لابن عم كبه الدهر دعدعا بل أنت مثل قول الشاعر فضول بلا فضل وسن بلا سنا ** وطول بلا طول وعرض بلا عرض وأما قولك عاشرا أظنك قد غرك رهط قد احتفوا من حولك وألقوا السمع إلى قولك إلى الآخر فالجواب أن هذا ظن فاسد قد نشأ من سوء فهمك وخطأ قياسك لأنك قسته على نفسك والأمر على عكس ذلك لأنك قد ركبت الشطط والأهوال وبذلت العمر والأموال حتى اجتمع عندك جمع من الفسقة الجهال لا يعرفون الحرام من الحلال ولا يميزون الجواب عن السؤال يعظمونك في خطاب ويصدقونك في الغياب يمثلونك بذوي الرقاب فقل بالله قولا صادقا هل تقدمت في مدة حياته في مجالس التدريس وحلق المناظرة وهل عليك للعلم جمال وأبهة أو ما كنت بالعامة مشتبه وبالأتراك مقتده يجرونك إلى كل بلد سحيق ويرمونك في كل فج عميق وهل لا سفهت رأي مخدومك محمد بن الرشيد وزير السلطان أبي سعيد حين بنى باسمه المدرسة الحجرية في الربع الرشيدية وحضرت بين يديه يوم الإجلاس صامتا كالبرمة عند الهراس وفقدت الحواس وكنت كالوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس فنعوذ بالله من أمثالك من الجنة والناس وأما الذين اجتمعوا عند والدي واشتغلوا عليه وتمثلوا بين يديه فهم العلماء الأبرار والصلحاء الأخيار بذلوا له الأنفس والأموال منهم الإمام الهمام الشيخ شرف الدين الطيبي شارح الكشاف والتبيان وهو كالشمس لا يخفى بكل مكان ومنهم الإمام المدقق نجم الدين سعيد شارح شرح الحاجبية والعروض الساوية وهو الذي سار بذكره الركبان ومنهم النوران فرج بن أحمد الأردبيلي ومحمد بن أبي الطيب الشيرازي وهما كالتوأمين تراضعا بلبان وأي لبان ورتعا من أكلأ العلوم في عشب أخصب من نعمان ومنهم قاضي القضاة نظام الدين عبد الصمد وهو مما لا يشق غباره ولا يخفى عن غير المعترض مقداره فكم لوالدي من مثلهم من التلامذة في كل بلد بحيث إني لو أريد أن أذكرهم ببعض تراجمهم أحتاج إلى مجلدات فيكون تضييعا للقرطاس وتضييقا للأنفاس فهؤلاء لعمري رجال إذا أمعن المتأمل فيهم عرف أن ماءهم بلغ قلتين فلم يحمل خبثا وقولك فاقبل النصيحة فنقول يا أيها المستنصح لم لا نصحت نفسك حتى كنا سلمنا من هذه الهذيانات أما سمعت قوله تعالى وقول الشاعر لا تنه عن خلق وتأتي مثله ** عار عليك إذا فعلت عظيم فأنت الباعث لي على هذه الكلمات وإلا أين أنا والبحث عن أمثال هذه الأسرار والخوض في الجواب عن نتائج قرائح الأخيار قال الشاعر وما النفس إلا نطفة في قرارة ** إذا لم تكدر كان صفوا غديرها لكن الضرورة إلى هذا المقدار دعتني وفي المثل لو ذات سوار لطمتني قال الشاعر فنكب عنهم درء الأعادي ** وداووا بالجنون من الجنون ثم إني أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم غفار الذنوب ستار العيوب وأتوب إليه وأحلف بالله العظيم أن القاضي عضد الدين تغمده الله برحمته ما كان يعتقد في والدي رحمه الله الذي عرض به في الجواب بل كان معظما له غاية التعظيم حضورا وغيبة وحاش لله أن أعتقد أيضا فيه ما تعرضت له في بعض المواضع بل أنا معظم له معتقد أنه كان من أكابر الفضلاء وأماثل العلماء وكذا والدي رحمه الله كان يعظمه أكثر من ذلك نعم إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه والشيطان قد ينزغ بين الأحبة والإخوة وإنما كتبت هذه الكلمات استيفاء للقصاص فلا يظن ظان أني محقر له فإنه قد يستوفى القصاص مع التعظيم ويعرف هذا من يعرف دقائق الفقه ثم إني أرجو من كرم الله سبحانه وتعالى أن يتجاوز عنا جميع ما زلت به القدم وطغى به القلم وأن يجعلنا ممن قال في حقهم قاضي القضاة عز الدين أبو عمر ولد قاضي القضاة شيخنا بدر الدين أبي عبد الله أما والده فسبقت ترجمته وأما هذا فمولده في سنة أربع وتسعين وستمائة بدمشق المحروسة بالمدرسة العادلية الكبرى بمنزل والده حيث كان قاضي القضاة بالشام وربي في عز زائد وسعد كثير وديانة وتصون وطلب للحديث طلب بنفسه وسمع الكثير وارتحل من مصر إلى الشام سمع من أبي المعالي الأبرقوهي وأبي الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر ولما عمي والده قاضي القضاة بدر الدين وولي القضاء بالديار المصرية قاضي القضاة جلال الدين استقر القاضي عز الدين على وكالة بيت المال ووكالة الخاص وتدريس زاوية الإمام الشافعي رضي الله عنه بمصر وتدريس الفقه والحديث بجامع طولون ونظره وتدريس جامع الأقمر ونظره وغير ذلك من الشرف والوظائف ولم يزل إلى أن صرف قاضي القضاة جلال الدين فتولى هو قضاء القضاة بالديار المصرية في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة واستمر في عز ورفعة بيده قضاء القضاة والخطابة وما أضيف إليهما مع الزاوية وجامع طولون إلى سنة تسع وخمسين وسبعمائة في نوبة صرغتمش عزل عن القضاء ومضافاته واستمر على الزاوية وجامع طولون فاستمر على ذلك ثمانين يوما ثم أعيد إلى القضاء وما معه عند ذهاب دولة صرغتمش فعاد مخطوبا مطلوبا واستمر يتقلق كل وقت من المنصب ويؤثر الانقطاع والعزلة ويطلب الإقالة فلا يجاب إلى شهر جمادى الأولى سنة ست وستين وسبعمائة دخل على نظام الملك الأمير الكبير يلبغا مدبر المملكة أعز الله نصرته وعزل نفسه وصمم على عدم العود واتفق له ما لم يتفق لقاض قبله من العظمة ونزل الأمير الكبير يلبغا بنفسه وهو ملك البسيطة إلى داره ودخل عليه ورجاه أن يعود فأبى واستمر على الزاوية وجامع طولون وجامع الأقمر وانفصل عن القضاء ومتعلقاته إلى أوان الحج أخبره فقير أنه رأى النبي في المنام يقول له فلان أوحشنا وذكر هو أنه رأى والده يقول في المنام الذي رآه الفقير صحيح فحج وجاور بمكة إلى جمادى الأولى توجه إلى زيارة النبي وعاد إلى مكة فأقام بها ثلاثة أيام معافى ثم مرض فاستمر به المرض عشرة أيام فتوفي في عاشر جمادى الآخرة سنة سبع وستين وسبعمائة بمكة ودفن في حادي عشر بين الفضيل بن عياض والشيخ نجم الدين الأصفهاني وبالجملة كان نسمة سعيدة من سعداء الدنيا بالمشاهدة ومن سعداء الآخرة فيما يغلب على الظن محبا للحديث ولسماعه معمور الأوقات بذلك نافذ الكلمة وجيها عند الملوك كثير العبادة كثير الحج والمجاورة ونال ما لم ينله أحد قبله من مزيد السعد مع حسن الشهرة ونفاذ الكلمة وطول المدة وكثرة السكون صاحب مختصر الروضة وقد قرأت عليه بعضه بالحجرة النبوية على ساكنها أفضل وأتم التحية والإكرام في سنة سبع وأربعين وسبعمائة مولده سنة سبع وسبعين وستمائة وتفقه بالصعيد على الشيخ بهاء الدين القفطي وقرأ القرآن وتردد إلى الحج ثم جاور بمكة إلى حين وفاته وكان رجلا صالحا عالما يعرف الفقه والفرائض وغيرهما توفي في ثالث عشر ذي الحجة سنة خمسين وسبعمائة بمنى ونقل إلى المعلى قاضي المحلة ويعرف بابن خطيب الأشمونين سمع من عبد الصمد بن عساكر وغيره وله الكلام على حديث الأعرابي الذي واقع أهله في نهار رمضان وتصانيف كثيرة حسنة وأدب وشعر توفي بالقاهرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة ورأيت في تعاليق الشيخ الإمام الوالد رحمه الله ما نصه ومن خطه نقلته هذه نخبة من الكلام على حديث المجامع في نهار رمضان الذي ألفه القاضي عز الدين عبد العزيز ابن أحمد بن عثمان الهكاري الحاكم بالغربية وما قد يحصل عليه من التعقب أبو هريرة قال وهو في المشهور عند المحدثين عبد الرحمن بن صخر بن عبد ذي الشرى وذو الشرى صنم لدوس بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس ودوس بطن من الأزد وأمه أميمة بن صفيح بن الحارث دوسية صحابية قال الشيخ الإمام قوله عبد الرحمن بن صخر بن عبد ذي الشرى لا أعرف من قال به بل هو تركيب من قولين أحدهما عبد الرحمن بن صخر الذي هو المشهور والثاني قول قاله هشام بن الكلبي وغيره وكان يختاره شيخنا الدمياطي أن اسمه عمير بن عامر بن عبد ذي الشرى وقوله في جد جده عتاب هكذا رأيته مضبوطا في نسخته والذي رأيته في نسخة معتمدة من الطبقات عياز بالعين المهملة والياء آخر الحروف وبعد الألف زاي وقوله في جده منبه هكذا رأيته والذي في طبقات في موضعين هنية بالهاء المضمومة وبعدها نون ثم ياء آخر الحروف وحصل التعصيب في نسب أمه فإن جدها الحارث بن شاني بن أبي صعب فالحارث جدها ابن عم طريف جد أبيه وقال في أبي هريرة وقومه إنهم قدموا على النبي بعد فتح خيبر قال الشيخ الإمام هذه المسألة فيها خلاف قديم والصحيح أن أبا هريرة قدم قبل فتحها وفيه حديث في البخاري عن مالك وقال إن أبا هريرة كان أكثر الصحابة رواية بالإجماع قال الشيخ الإمام في دعوى الإجماع نظر فإن أبا هريرة قال إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب ذكر أن عدم تبادر الذهن دليل عدم الحقيقة قال الشيخ الإمام هذا ليس بصحيح مدرس النجيبية ومعيد الناصرية بدمشق كان عارفا بالفقه والأصول صنف شرح الحاوي وشرح مختصر ابن الحاجب ومات في جمادى الأولى سنة ست وسبعمائة سمع من المعين أحمد بن علي الدمشقي وعبد الله بن علاق وأحمد بن عبد الله بن النحاس والنجيب عبد اللطيف وعبد العزيز ابني عبد المنعم الحراني وعبد الهادي القيسي وابن خطيب المزة ورحل إلى الإسكندرية وسمع من عثمان بن عوف وعبد الوهاب بن الفرات وغيرهم وقرأ بنفسه وانتقى على بعض شيوخه وخرج لنفسه ودرس في الحديث بمصر وناب في الحكم بها مولده في المحرم سنة خمسين وستمائة ومات في مستهل شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بمصر أخبرنا أقضى القضاة عبد الغفار بن محمد السعدي قراءة عليه وأنا حاضر في الخامسة أخبرنا النجيب عبد اللطيف بن عبد المنعم أخبرنا عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب أخبرنا أبو القاسم بن بيان أخبرنا أبو الحسن بن مخلد حدثنا أبو علي الصفار حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا محمد بن خازم أبو معاوية الضرير عن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن عبد ابله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن أبي بكر ( ائتني بكتف حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه من بعدي ) قالت فلما قام عبد الرحمن قال رسول الله ( أبى الله والمؤمنون أن يختلف على أبي بكر ) +أخرجه البخاري+ عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي عن يزيد ابن هارون عن إبراهيم بن سعد الزهري عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها فوقع لنا عاليا بدرجتين كذا يقال وإنما اسم والده أحمد بن عبد المجيد بن عبد الحميد الدوري الأقصري القوصي الرجل الصالح صاحب كتاب الوحيد في التوحيد طلب العلم وسمع الحديث من الحافظين أبي محمد الدمياطي والمحب الطبري وتجرد زمانا وأبصر ألوانا وصحب الشيخين أبا العباس الملثم وعبد العزيز المنوفي وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر وقد حكى في كتاب الوحيد الغرائب والعجائب وأورد فيه الكثير من شعر نفسه وكان مراعيا للحضور والخشوع في صلاته تذكر له كرامات كثيرة وأحوال سنية وله بظاهر قوص رباط كبير معروف به ومن شعره أنا أفتي أن ترك الحب ذنب ** آثم في مذهبي من لا يحب ذق على أمري مرارات الهوى ** فهو عذب وعذاب الحب عذب كل قلب ليس فيه ساكن ** صبوة عذرية ما ذاك قلب وحج فلما أبصر الكعبة قال لنفسه دعني أعفر جبهتي بترابها ** وأقبل الأعتاب من أبوابها خود رأيت البدر تحت نقابها ** سلبت رجال الحي عن ألبابها فالكل صرعى دون رفع حجابها ** حضر من الصعيد إلى القاهرة في محنة امتحنها ظهرت له فيها كرامات ومات بمصر في ثامن ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة وذكر أنه أوصى أنه إذا حصل في القبر ينزع عنه كفنه ويبقى بالشدادة بغير كفن ليلقى الله مجردا وأنه فعل ما وصى به واشترى الناس كفنه بجملة من الذهب تبركا به جدي أقضى القضاة زين الدين أبو محمد سمع من ابن خطيب المزة ومحمد بن إسماعيل بن الأنماطي وغيرهما وأجاز له العز الحراني وابن القسطلاني وغيرهما وحدث بالقاهرة والمحلة خرج له الحافظ تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف بن يحيى السبكي مشيخة حدث بها وولي قضاء الشرقية وأعمالها والغربية وأعمالها من الديار المصرية وكان من أعيان نواب الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد قرأ الأصول على القرافي والفروع على الظهير التزمنتي وكان رجلا صالحا كثير الذكر وله نظم كثير غالبه زهد ومدح في النبي توفي يوم الثلاثاء تاسع شبعان سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بالمحلة ودفن من الغد بظاهرها حضرت دفنه وأنا شاك في حضور الصلاة عليه أخبرنا جدي تغمده الله برحمته قراءة عليه وأنا حاضر في سنة ثلاثين وسبعمائة أخبرنا أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف ابن خطيب المزة سماعا أخبرنا عمر بن محمد بن طبرزد أخبرنا القاضي أبو بكر الأنصاري وأبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك قالا أخبرنا القاضي أبو الطيب الطبري أخبرنا أبو أحمد بن الغطريف بجرجان حدثني أبو عوانة الإسفرايني حدثنا يزيد بن سنان حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا إدريس الأودي عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله ( ما قال عبد عند مريض أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات إلا عوفي ) +أخرجه النسائي+ في اليوم والليلة من حديث المنهال بن عمرو وكثيرا ما كان رحمه الله ينشد يا أيها المغرور بالله ** فر من الله إلى الله ولذ به واسأله من فضله ** لقد نجا من لاذ بالله وقم له والليل في جنحه ** فحبذا من قام لله واتل من الوحي ولو آية ** تكس بها نورا من الله وعفر الوجه له ساجدا ** فعز وجه ذل الله نقلت من خط الجد رحمه الله سمعت شيخنا الإمام تقي الدين أبا الفتح بن دقيق العيد في درس الكاملية يقول أقمت مدة أطلب الفرق بن الجهر والإسرار فلم أجد إلا قوله ما أسر من أسمع نفسه نقلت من خط الجد رحمه الله نسبتنا معاشر السبكية إلى الأنصار رضي الله عنهم وقد رأيت الحافظ النسابة شرف الدين الدمياطي رحمه الله يكتب بخطه للشيخ الإمام الوالد رحمه الله الأنصاري الخزرجي وصورة ما نقل من خط الجد حدثنا الصاحب بهاء الدين أبو الفضائل تمام الوزير المالكي المذهب ولد يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بين مسوار بن سوار بن سليم بن أسلم الأنصاري الخزرجي وأسلم من خزاعة وقيل لهم خزاعة لأنهم تخزعوا عن الأزد والتخزع التقاسم وأسلم ابن أفصى بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر وهو ماء السماء ابن حارثة وهو الغطريف بن امرئ القيس وهو البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد منهم بريدة بن الحصيب الأسلمي وعبد الله بن أبي أوفى الصحابيان وغيرهما ومازن من الأزد إليه جماع غسان وغسان اسم ماء شربوا منه قال الشاعر إما سألت فإنا معشر نجب ** الأزد نسبتنا والماء غسان وقال النبي ( أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وعصية عصيت الله ورسوله ) انتهى وهو عن مسودات بخط الجد رحمه الله وذكر بعده النسبة إلى آدم عليه السلام ثم قال في آخره وقد نقلت هذا من خط الفقيه الفاضل الحافظ شرف الدين محمد بن المخلص بن أسلم السنهوري في سنة اثنتين وخمسين وستمائة قلت سنة اثنتين وخمسين وستمائة ظرف لخط السنهوري يعني أنه خطه في ذلك التاريخ لا أن الجد كتب هذا الذي نقلته في ذلك التاريخ ولم يكتب الشيخ الإمام رحمه الله بخطه لنفسه الأنصاري قط وإن كان شيخه الدمياطي يكتبها له وإنما كان يترك الشيخ الإمام كتابة ذلك لوفور عقله ومزيد ورعه فلا يرى أن يطرق نحوه طعن من المنكرين ولا أن يكتبها مع احتمال عدم الصحة خشية أن يكون قد دعا نفسه إلى قوم وليس منهم وقد كانت الشعراء يمدحونه ولا يخلون قصائدهم من ذكر نسبته إلى الأنصار وهو لا ينكر ذلك عليهم وكان رحمه الله أورع وأتقى لله من أن يسكت على ما يعرفه باطلا وقد قرأ عليه شاعر العصر ابن نباتة غالب قصائده التي امتدحه بها وفيها ذكر نسبته إلى الأنصار والشيخ الإمام يقره وسمع له قصيدته التي يقول فيها فيه
من بيت فضل صحيح الوزن قد رجحت ** به مفاخر آباء وأبناء قامت لنصرة خير الأنبياء ظبا ** أنصاره واستعاضوا خير أنباء أهل الصريحين من نطق ومن كرم ** آل الربيحين من نصر وإيواء المعربون بألفاظ ولحن ظبا ** ناهيك من عرب في الخلق عرباء مفرغين جفونا في صباح وغى ** ومالئين جفانا عند إمساء مضوا وضاءت بنوهم بعدهم شهبا ** تمحى بنور سناها كل ظلماء فمن هلال ومن نجم ومن قمر ** في أفق عز وتمجيد وعلياء حتى تجلى تقي الدين صبح هدى ** يملي وإملاؤه من فكره الرائي وكتب عليها طبقة السماع بخطه وكذلك حضر الشيخ الإمام عقد بنات بعض الأكابر وكان الصداق صناعة القاضي الفاضل شهاب الدين بن فضل الله فلما قرئ وجاء ذكر الشيخ الإمام أنشد القاضي شهاب الدين لنفسه ما كتبه في الصداق والشيخ الإمام يسمع قاضي القضاة بعلمه وضح الهدى ** وبجوده ووجوده فاض الندى من آل يعرب في ذوائبها العلى ** جاز السماء علا وجاز الفرقدا من كل أبيض باسم يوم الوغى ** يجتاب من ليل الضلال الأسودا نصر النبي محمدا بجداله ** وجدوده نصروا النبي محمدا فلما انفصل المجلس وجاء الصداق إلى الشيخ ليكتب عليه اسمه كتب عليه وعلق عليه من خطه في مجاميعه هذه الأبيات ومن خطه نقلتها ولولا أنه رأى ذلك حقا ما كتبه بخطه لما أعلمه من ورعه وشدته في ذلك نقلت من خط الجد رحمه الله قطعنا الأخوة عن معشر ** بهم مرض من كتاب الشفا فماتوا على دين رسطالس ** ومتنا على ملة المصطفى
|